للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقولُه: (الطَّبيعيُّ) هو إشارةٌ إلى حقيقةِ المزاجِ، وهو الحالُ المُتوَسِّطَةُ الحاصلةُ عن تفاعُلِ كيفيَّاتِ العناصرِ (١) بعضِها في بعضٍ، فتلك الحالُ هي الاعتدالُ الطَّبيعيُّ، فإذا انْحَرَفَتْ عنِ التَّوسُّطِ لغَلبةِ (٢) المرارةِ أو غيرِها، كانَ ذلك هو انحرافَ المزاجِ وهو العِلَّةُ، والمرضُ، والسُّقْمُ.

(ثُمَّ اسْتُعِيرَتِ) العِلَّةُ (عَقْلًا) أي: مِنَ الوضعِ اللُّغويِّ، فجُعِلَتْ في التَّصرُّفاتِ العقليَّةِ (لِمَا أَوْجَبَ حُكْمًا عَقْلِيًّا لِذَاتِهِ، كَكَسْرٍ لِانْكِسَارٍ) أي: لكونِه كَسرًا لا لأمرٍ خارجٍ مِن وضعيٍّ، أو اصطلاحيٍّ، وهكذا العِلَلُ العقليَّةُ هي مُؤثِّرةٌ لذواتِها بهذا المعنى، كالتَّحرُّكِ المُوجِبِ للحَرَكَةِ، والتَّسكينِ المُوجِبِ للسُّكونِ.

(ثُمَّ) اسْتُعِيرَتِ العلَّةُ (شَرْعًا) أي: مِن التَّصرُّفِ العَقليِّ إلى التَّصرُّفِ الشَّرعيِّ، فجُعِلَتْ فيه لثلاثةِ معانٍ:

أحدُها: استعارتُها (لِمَا أَوْجَبَ حُكْمًا شَرْعِيًّا لَا مَحَالَةَ) أي: ما وُجِدَ عندَه الحُكمُ قطعًا، (وَ) المُوجِبُ لا مَحالَةَ: (هُوَ) المجموعُ (المُرَكَّبُ مِنْ: مُقْتَضِيهِ) أي: مُقتضي الحُكْمِ، (وَشَرْطِهِ، وَمَحَلِّهِ، وَأَهْلِهِ).

مِثالُه: وجوبُ الصَّلاةِ حُكمٌ شرعيٌّ، ومُقتَضِيه: أمرُ الشَّارعِ بالصَّلاةِ، وشرطُه: أَهلِيَّةُ المُصَلِّي لتَوَجُّهِ الخطابِ إليه، بأنْ يَكُونَ: عاقلًا، بالغًا، ومَحَلُّه: الصَّلاةُ، وأَهلُه: المُصَلِّي.

وكذلك حُصُولُ المِلْكِ في البيعِ والنِّكاحِ، حُكْمٌ شرعيٌّ، ومُقتَضِيه: حُكْمُ الحاجةِ إليهما، والإيجابُ والقَبولُ فيهما، وشَرطُه: ما ذُكِرَ مِن شُروطِ


(١) ليست في (د).
(٢) في (د): لعلِّيَّةِ.

<<  <   >  >>