للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالَ في «التمهيد»: هل يُسَمَّى دِينًا ومأمورًا به أم لا؟

أمَّا كونُه مأمورًا به فصحيحٌ، وأمَّا كونُه مأمورًا به بصيغةِ «افعلْ» فصحيحٌ أيضًا، مِن قولِه تَعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} (١)، وأمَّا مَنْ وَصَفَه بأنَّه دِينٌ فلا شُبْهَةَ فيه؛ لأنَّ مَا تَعَبَّدَنا اللهُ به فهو دِينٌ، والدَّليلُ عليه أنَّا مُتَعَبَّدونَ بما دَلَّ عليه الدَّليلُ، ولأنَّ مَن نَزَلَتْ به حادثةٌ، وكانَ فيها قاضٍ أو مُفْتٍ أو مجتهدٌ لنَفْسِه وضاقَ عليه الوقتُ: وَجَبَ عليه أنْ يَقِيسَ (٢).

(وَالنَّفْيُ) ضربانِ:

(١) (أَصْلِيٌّ) وطارئٌ، فالأوَّلُ: هو البَقاءُ على ما كانَ قبلَ وُرودِ الشَّرعِ كانتفاءِ صلاةٍ سادسةٍ، فهو مُبْقًى باستصحابِ مُوجَبِ العقلِ (يَجْرِي فِيهِ) أي: في النَّفيِ الأصليِّ (قِيَاسُ الدَّلَالَةِ) وهو أنْ يُستَدَلَّ بانتفاءِ حُكْمِ شيءٍ على انتفائِه عن مِثلِه، ويَكُونَ ضَمَّ دليلٍ إلى دليلٍ (فَيُؤَكَّدُ بِهِ) أي: بالنَّفيِ الأصليِّ (الاِسْتِصْحَابُ) أي: استصحابُ الحالِ، ولا يَجري فيه قياسُ العِلَّةِ على الصَّحيحِ؛ لأنَّه لا مُوجِبَ له قبلَ وُرودِ السَّمعِ، فلَيْسَ بحكمٍ شرعيٍّ حَتَّى يُطلَبَ له عِلَّةٌ شرعيَّةٌ، بل هي نفيُ حكمِ الشَّرعِ ولا علَّةَ، إِنَّمَا العِلَّةُ لِما يِتَجَدَّدُ.

(وَ) الثَّاني (طَارِئٌ، كَبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ) مِن الدَّينِ ونَحوِه حُكمٌ شرعيٌّ (يَجْرِي فِيهِ هُوَ) أي: يَجْرِي في النَّفيِ الطَّارئِ قياسُ الدَّلالةِ (وَقِيَاسُ العِلَّةِ) اتِّفاقًا؛ لأنَّه حُكْمٌ شرعيٌّ حادثٌ، فهو كسائرِ الأحكامِ الوُجوديَّةِ.


(١) الحشر: ٢.
(٢) «التمهيد في أصول الفقه» للكَلْوَذاني (٢/ ٤٦٦).

<<  <   >  >>