للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا عَلِمْتَ ذلك (فَيَصِحُّ) التَّكْلِيفُ (بِمُحَالٍ لِغَيْرِهِ) إجماعًا، كإيمانِ مَن عَلِمَ اللهُ أنَّه لا يُؤمِنُ، وذلك لأنَّ اللهَ تَعالى أَنْزَلَ الكتبَ (١) وبَعَثَ الرُّسُلَ بطلبِ الإيمانِ والإسلامِ مِن كلِّ واحدٍ وكَلَّفَهم بذلك، وعَلِمَ أنَّ بعضَهم لا يُؤمِنُ.

(١) و (لَا) يَصِحُّ عندَ الأكثرِ التَّكْلِيفُ بالمُحالِ (لِذَاتِهِ) كجمعٍ بينَ (٢) ضِدَّينِ وهو المُستحيلُ العَقليُّ.

(وَ) لا بالمُحالِ (عَادَةً) كالطَّيرانِ، وصعودِ السَّماءِ عندَ الأكثرِ؛ لقولِه تَعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (٣).

(إِلَّا) المُحالَ (عَقْلًا) يَعني لذاتِه، فيَجوزُ التَّكْلِيفُ به (فِي وَجْهٍ) وعليه لم يَصِحَّ عندَ الأكثرِ.

(٢) (وَلَا) يَصِحُّ التَّكْلِيفُ (بِغَيْرِ فِعْلٍ) فإذا كُلِّفَ بغيرِ نهيٍ كالأمرِ كانَ مُكَلَّفًا بفعلٍ بلا نزاعٍ بينَ العلماءِ، وإنَّما تَرَكُوه لوضوحِه وعدمِ الخلافِ فيه؛ لأنَّ مُقتضاه إيجادُ فعلٍ مأمورٍ به، كالصَّلاةِ ونَحوِها، وذَكَروا ما هو مَحَلُّ الخلافِ وهو النَّهيُ الآتي ذِكرُه.

(وَشُرِطَ) لصِحَّةِ التَّكْلِيفِ بالفعلِ: (عِلْمُ مُكَلَّفٍ:

(١) حَقِيقَتَهُ) بأنْ يَكُونَ الفعلُ معلومَ الحقيقةِ للمُكَلَّفِ فيَعلَمُ حقيقتَه، وإلَّا لم يَتَوَجَّهْ قصدُه إليه؛ لعَدمِ تَصوُّرِ قصدِ ما لا يُعلَمُ حقيقتُه، وإذا لم يَتَوَجَّهْ قصدُه إليه: لم يَصِحَّ وجودُه منه؛ لأنَّ تَوجُّهَ القصدِ إلى الفعلِ مِن لوازمِ إيجادِه، فإذا انْتَفَى اللَّازمُ وهو القصدُ، انتفى المَلزومُ وهو الإيجادُ.


(١) في (ع): الكتاب.
(٢) ليست في (ع).
(٣) البقرة: ٢٨٦.

<<  <   >  >>