للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَصْلٌ)

قالَ ابنُ قاضي الجَبلِ: (المُبَاحُ لُغَةً: المُعْلَنُ، وَالمَأْذُونُ) أخذًا مِنَ الإباحةِ وهي: الإظهارُ، والإعلانُ، ومنه باحَ بِسِرِّه (١). انتهى، ومنه: أَبَحْتُ له الشَّيءَ؛ أي: أَحْلَلْتُه له.

(وَ) المُباحُ (شَرْعًا): هو (مَا) أي: كلُّ فعلٍ مأذونٍ فيه مِنَ الشَّارع (٢) (خَلَا مِنْ مَدْحٍ وَذَمٍّ) يَعني لا ثوابَ له على فِعلِه، ولا عقابَ في تَركِه، أَخْرَجَ به الواجبَ، والمندوبَ، والحرامَ، والمكروهَ؛ لأنَّ كلًّا مِنَ الأربعةِ لا يَخلو مِن مدحٍ أو ذمٍّ، إمَّا في الفعلِ وإمَّا في التَّركِ.

وقولُه: (لِذَاتِهِ) ليَخرُجَ ما تَرَكَ به حرامًا، فإنَّه يُثابُ عليه مِن تلك الجِهَةِ، ويَخْرُجَ أيضًا ما تَرَكَ به واجبًا، فإنَّه يُذَمُّ مِن تلك الجهةِ.

تنبيهٌ: المُرادُ بالمَدحِ والذَّمِّ: أن يَرِدَ ما يَدُلُّ على ذلك بطريقٍ مِن الطُّرقِ، كمدحِ الفاعلِ، أو ذَمِّه، أو وَعدِه، أو وعيدِه، أو غيرِ ذلك.

(وَ) لَيْسَ المُباحُ جِنسًا للواجبِ في الأصحِّ، بل (هُوَ، وَوَاجِبٌ: نَوْعَانِ لِلْحُكْمِ) أي: نوعانِ مُنْدَرِجانِ تحتَ جنسٍ، وهو فِعلُ المُكَلَّفِ الَّذِي تَعَلَّقَ به الحُكمُ الشَّرعيُّ، وتسميتُه بالحُكمِ مجازًا، ودليلُه أنَّه لو كانَ المُباحُ جِنسًا للواجبِ لَاسْتلْزَمَ النَّوعُ -أعني الواجبَ- التَّخييرَ بينَ فِعلِه وتَركِه، والثَّاني ظاهرُ الفسادِ، فالمُقَدَّمُ مِثْلُه.

(وَلَيْسَ) المُباحُ (مَأْمُورًا بِهِ) لأنَّ الأمْرَ يَستلزِمُ ترجيحَ الفعلِ، ولا ترجيحَ في المُباحِ، ولأنَّ في الشَّريعةِ مُباحًا غيرَ مأمورٍ به إجماعًا.


(١) ينظر: «التحبير شرح التحرير» (٣/ ١٠١٩).
(٢) في (د): الشارح.

<<  <   >  >>