للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمَّ قَالَ: وما واظَبَ على فِعلِه غيرَ مُظهِرٍ له؛ ففيه وجهانِ:

أحدُهما: تسميتُه سُنَّةً، نظرًا إلى المواظبةِ.

والثَّاني: تسميتُه فضيلةً، نظرًا إلى تَركِ إظهاره، وهذا كرَكْعتَيِ الفجرِ (١).

(وَهُوَ) أي: المندوبُ:

(١) (تَكْلِيفٌ) إذ مَعناه: طلبُ ما فيه كُلفةٌ، وقد يَكُونُ أشقَّ مِن الواجبِ، وليسَتِ المشقَّةُ مُنحَصِرةً في الممنوعِ عن نقيضِه حَتَّى يَلْزَمَ أن يكون منه.

(٢) (وَ) المندوبُ (مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً) عندَ أكثرِ أصحابِنا، لدُخُولِه في حدِّ الأمرِ، وانقسامِ الأمرِ إلى: حقيقةٍ، ومجازٍ، وهو مُسْتَدْعًى ومطلوبٌ، قال اللهُ تَعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (٢)، وإطلاقُ الأمرِ عليه في الكتابِ والسُّنَّةِ، والأصلُ الحقيقةُ، ولأنَّه طاعةٌ لامتثالِ الأمرِ، (فَـ) على هذا (يَكُونُ لِلْفَوْرِ) قياسًا على الواجبِ.

قالَ في «شرحِ الأصلِ»: لكنْ لو لم يَفعَلْه على الفورِ، ماذا يَكُونُ؟ يَحتملُ: ما أَتَى به على وجهِه (٣).

(٣) (وَ) ذَهَبَ الأكثرُ أنَّ المندوبَ (لَا يَلْزَمُ بِشُرُوعٍ) فيه، بل هو مُخَيَّرٌ فيه بينَ إتمامِه وقطعِه، والأفضلُ إتمامُه بلا نزاعٍ؛ وذلك لأنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كانَ يَنوي صومَ التَّطوُّعِ ثمَّ يُفطِرُ. رواه مسلمٌ (٤) وغيرُه.


(١) «الحاوي في الفقه» لأبي طالب العبدلياني (١/ ٦٣).
(٢) النَّحل: ٩٠.
(٣) «التحبير شرح التحرير» (٢/ ٩٨٩).
(٤) «صحيح مسلم» (١١٥٤) عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: ذَاتَ يَوْمٍ «يَا عَائِشَةُ، هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟» .. الحديث، وفيه: «قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا».

<<  <   >  >>