للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو (مَأْمُورٌ بِهِ (١) عَلَى وَجْهِ الإِنْصَافِ وَإِظْهَارِ الحَقِّ) لأنَّ الغرضَ بالجدلِ مِن المنصفِ نقلُ المخالفِ عن الباطلِ إلى الحقِّ، وعن الخطأِ إلى الإصابةِ. وما سوى هذا فلَيْسَ بغرضٍ صحيحٍ، مثلُ بيانِ غَلَبَةِ الخصمِ وصناعةِ المجادلةِ، ويَدُلُّ عليه القرآنُ العظيمُ، قالَ اللهُ تَعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (٢) {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (٣).

(وَ) قد (فَعَلَهُ الصَّحَابَةُ) -رضي الله عنهم- كما فَعَلَ ذلك ابنُ عبَّاسٍ لَمَّا جادَلَ الخوارجَ والحَرُورِيَّةَ، ورَجَعَ منهم عن مقالتِه خلقٌ كثيرٌ، وكذلك غيرُه.

(وَ) فَعَلَه (السَّلَفُ) كعمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، فإِنَّه أيضًا جادَلَ الخوارجَ ورَجَعَ إليه في بعضِ المسائلِ، وكذلك غيرُهم، وهم السَّادةُ القادةُ المُقتَدَى بهم في أقوالِهم وأفعالِهم، وكلُّهم قَصَدَ بذلك إظهارَ الحقِّ وإعلاءَه وإبطالَ غيرِه وإخمادَه.

(فَأَمَّا) إذا كانَ الجدلُ (عَلَى وَجْهِ الغَلَبَةِ وَالخُصُومَةِ وَالغَضَبِ وَالمِرَاءِ) قالَ بعضُ أصحابِنا: قد (٤) نُهِينا عن جميعِ هذا، يُقال: مَارَى يُمَارِي مُمَارَاةً وَمِرَاءً؛ أي: جَادَلَ، (وَ) المِراءُ (هُوَ اسْتِخْرَاجُ غَضَبِ المُجَادَلِ) مِن قولِهم: مَرَيْتُ الشَّاةَ إذا اسْتخرَجْتُ لَبَنَها، وذلك يَقدَحُ الشَّكَّ في القلبِ، (فَـ) هو (مُزِيلٌ عَنْ طَرِيقِ الحَقِّ) وإنْ أصابَ صاحبُه السُّنَّةَ والحقَّ (وَإِلَيْهِ انْصَرَفَ النَّهْيُ عَنْ: «قِيلَ وَقَالَ»)، ولم يَبْلُغْنا عن أحدٍ مِن فُقهائِنا وعلمائِنا أنَّه جادَلَ أو ناظَرَ أو خاصَمَ.


(١) قوله: مأمور به. في «مختصر التحرير» (ص ٢٤٤): دل القرآن على الأمر به.
(٢) النحل: ١٢٥.
(٣) العنكبوت: ٤٦.
(٤) في «د»: وقد.

<<  <   >  >>