للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

إذا وَرَدَ (الأَمْرُ مُجَرَّدًا عَنْ قَرِينَةٍ) تَصْرِفُه لمَعنًى، كالنَّدبِ، والإباحةِ، والإرشادِ، وغيرِهما؛ فهو:

(١) (حَقِيقَةٌ فِي الوُجُوبِ) عندَ الإمامِ أحمدَ وأصحابِه والأكثرِ، ثمَّ اختَلَفَ القائلونَ بهذا المذهبِ، هل اقتضاءُ الوُجوبِ بالشَّرعِ أم باللُّغةِ أم بالعقلِ؟ ثلاثةُ مذاهبَ، اختارَ ابنُ حَمدانَ وغيرُه أنَّه اقتضاه (شَرْعًا) واستدلَّ للجمهورِ بقولِه تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} (١)، وبقولِه تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ} (٢) ذَمَّهم وذَمَّ إبليسَ على مُخالفةِ الأمرِ المُجَرَّدِ، ودعوى قرينةِ الوجوبِ واقتضاءِ تلك اللُّغةِ لغةً له دونَ هذه غيرُ مسموعةٍ، ولأنَّ السَّيِّدَ لا يُلامُ على عقابِ عَبدِه على مُخالفةِ مُجَرَّدِ أمْرِه باتِّفاقِ العُقلاءِ.

(٢) (وَ) الأمرُ المُطلَقُ الَّذِي ليسَ مُقَيَّدًا بمرَّةٍ ولا تَكرارٍ يَكُونُ (لِتَكْرَارٍ حَسَبَ الإِمْكَانِ) عندَ الإمامِ أحمدَ وأكثرِ أصحابِه، فعلى هذا يَجِبُ استيعابُ العُمرِ به دونَ أزمنةِ قضاءِ الحاجةِ والنَّومِ وضروريَّاتِ الإنسانِ، واحتجَّ له بأنَّ النَّهيَ يَقتضي تَكرارَ التَّركِ، والأمرَ نقيضُه فيَقتضي تَكرارَ (٣) الفعلِ. والأمرُ بالشَّيءِ نهيٌ عن ضِدِّه، فيَقتضي تَكرارَ تَرْكِ الضِّدِّ.

وعنه روايةٌ ثانيةٌ: لا يَقتضي التَّكرارَ إلَّا بقَرينةٍ، وبلا قرينةٍ لا يَقتضيه، فعلى هذا يُفيدُ الأمرُ طَلَبَ الماهيَّةِ مِن غيرِ إشعارٍ بوحدةٍ ولا بكثرةٍ، إلَّا أنَّه لا يُمْكِنُ الماهيَّةُ في الوجودِ بأقلَّ مِن مَرَّةٍ.


(١) النُّور: ٦٣.
(٢) المرسلات: ٤٨.
(٣) زاد في ع: ترك.

<<  <   >  >>