للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وَاتِّفَاقُ مُجْتَهِدِي عَصْرٍ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ) وقبلَ استقرارِ الخلافِ: إجماعٌ، وكذا هو حُجَّةٌ في الأصحِّ، ويُمَثَّلُ له بما وَقَعَ لأبي بكرٍ الصِّدِّيقِ -رضي الله عنه- في قتالِ أهلِ الرِّدَّةِ، وفي اختلافِهم في أيِّ موضعٍ يُدفَنُ -صلى الله عليه وسلم-، ثمَّ اتِّفاقِهم سريعًا فيهما.

(وَ) كذا إنْ كانَ (قَدِ (١) اسْتَقَرَّ) اختلافُهم، فاتِّفاقُهم بعدَ ذلك: (إِجْمَاعٌ) عندَنا، وعندَ الأكثرِ، وكلُّ مَنِ اشتَرطَ انقراضَ العصرِ قال: إجماعٌ.

(وَلَا يَصِحُّ تَمَسُّكٌ بِإِجْمَاعٍ فِيمَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ) أي: صِحَّةُ الإجماعِ (عَلَيْهِ) اتِّفاقًا، (كَوُجُودِهِ) تَبارَكَ و (تعالى، وَصِحَّةِ الرِّسَالَةِ) ودَلالةِ المُعجزةِ، فيَتَوَقَّفُ الإجماعُ على ذلك، فلا يَصِحُّ التَّمسُّكُ به؛ لاستلزامِه عليه لُزومَ الدَّوْرِ، ولعَدمِ إمكانِ تَأخُّرِ معرفتِها عنِ الإجماعِ.

(وَيَصِحُّ) التَّمسُّكُ بالإجماعِ (فِي غَيْرِهِ) وهو ما لا تَتوَقَّفُ صِحَّةُ الإجماعِ عليه، مِن أمْرٍ:

(١) (دِينِيٍّ، كَنَفْيِ الشَّريكِ)، ووجوبِ العباداتِ، ونَحوِها، فإنَّ الإجماعَ لا يَتَوَقَّفُ على ذلك؛ لإمكانِ تأخُّرِ مَعرِفَتِها عنِ الإجماعِ، وسواءٌ كانَ الدِّينيُّ: عقليًّا: كرُؤيةِ الباري، ونفيِ الشَّريكِ، أو شرعيًّا: كوجوبِ الصَّلاةِ، والزَّكاةِ، والصِّيامِ، وغيرِها.

(٢) (أَو) مِن أمْرٍ (عَقْلِيٍّ: كَحُدُوثِ (٢) العَالَمِ) فيُمكِنُ إثباتُه؛ لأنَّه يُمْكِنُنا إثباتُ الصَّانعِ بحدوثِ الأعراضِ، ثمَّ نَعرِفُ صِحَّةَ النُّبُوَّةِ، ثمَّ يُعرَفُ به الإجماعُ، ثمَّ يُعرَفُ به حُدوثُ الأجسامِ، وهذا الصَّحيحُ الَّذِي عليه الأكثرُ.


(١) في «مختصر التحرير» (ص ١٠٤): لو.
(٢) في «مختصر التحرير» (ص ١٠٤): كحدث.

<<  <   >  >>