للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

قالَ الأكثرُ: (العَامُّ بَعْدَ تَخْصِيصِهِ حَقِيقَةٌ) لا مجازٌ؛ لأنَّ العامَّ في تقديرِ الألفاظِ مطابقةٌ لأفرادِ مدلولِه، فسَقَطَ منها بالتَّخصيصِ طِبْقُ ما خُصِصَّ به من المعنى، فالباقي منها ومنَ المدلولِ مُتطابقانِ تقديرًا، فلا استعمالَ في غيرِ الموضوعِ له، فلا مجازَ، فالتَّناوُلُ باقٍ، وكانَ حقيقةً قبْلَه، فكذا بعدَه.

(وَهُوَ) أي: العامُّ المخصوصُ (حُجَّةٌ) عندَ الأكثرِ؛ لأنَّ الصَّحابةَ لم تَزَلْ تَستدلُّ بالعُموماتِ مع وجودِ التَّخصيصِ فيها، ولأنَّه كانَ حُجَّةً، والأصلُ بقاؤُه، ولأنَّ دَلالتَه على بعضٍ لا يَتَوَقَّفُ على بعضٍ آخَرَ (١) للدَّوْرِ.

قال الدَّبُوسِيُّ: لكنَّه غيرُ مُوجِبٍ للعلمِ قطعًا، بخلافِ ما قَبْلَ التَّخصيصِ (٢). انتهى. وفي المسألةِ أقوالٌ أُخَرُ أَضْرَبْنا عنها خوفَ الإطالةِ.

قالَ ابنُ العِرَاقِيِّ وغيرُه: الخلافُ في هذه المسألةِ مُفَرَّعٌ على القولِ بأنَّ العامَّ بعدَ التَّخصيصِ مجازٌ، فأمَّا إنْ قُلْنا: إنَّه حقيقةٌ؛ فهو حُجَّةٌ قطعًا (٣).

قالَ في «شرحِ الأصلِ»: وهو ظاهرُ صَنيعِ ابنُ مُفْلِحٍ (٤).

والمُرادُ في هذه المسألةِ (إِنْ خُصَّ) العامُّ (بِمُبَيَّنٍ) يَعني بمعلومٍ، أو خُصَّ باستثناءٍ بمعلومٍ، كـ: أَكْرِمْ بني تميمٍ ولا تُكْرِمْ فلانًا، وكقولِنا: له عليَّ عشرةٌ إلَّا واحدًا، فإنْ خُصَّ بمجهولٍ، كـ: «اقتلوا المشركينَ إلَّا بعضَهم»، لم يَكُنْ حُجَّةً اتفاقًا؛ لأنَّ الآيةَ لا يُستدَلُّ بها على الأمرِ بقتلِ فردٍ مِن الأفرادِ؛ إذْ ما مِن


(١) ليس في (د).
(٢) «تقويم الأدلة» (ص ١٠٥).
(٣) «الغيث الهامع» (ص: ٣٠٦).
(٤) «التحبير شرح التحرير» (٥/ ٢٣٧٤).

<<  <   >  >>