للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ِ تَعَالَى مُقتَرنةٌ بالعِلَّةِ، وإن اختلفوا في اقتِرانِها بطريقِ الوجوبِ أو بطريقِ اللُّطفِ، واحتَجَّ بقولِه تَعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (١)، وظاهرُه جميعُ ما جاءَ به، فلو خَلا حُكمٌ عن عِلَّةٍ لم يَكُنْ رحمةً؛ لأنَّ التَّكليفَ به بلا حكمةٍ وفائدةٍ مَشَقَّةٌ.

(وَيَجِبُ العَمَلُ بِالظَّنِّ فِيهَا) أي: في عللِ الأحكامِ (إِجْمَاعًا)، وقِيلَ: الأصلُ عدمُ التَّعليلِ؛ لأنَّ المُوجِبَ الصِّيغةُ، وبالتَّعليلِ يَنتقلُ حُكمُه إلى مَعناه فهو كالمجازِ من الحقيقةِ؛ لأنَّ التَّعليلَ لا يَجِبُ للنَّصِّ دائمًا، فيُعتَبَرُ لدعواه دليلٌ، وفي «واضحِ ابنِ عَقِيلٍ» (٢) في مسألةِ القِيَاسِ: أكثرُ الأحكامِ غيرُ مُعَلَّلَةٍ، وقالَ في «فنونِه» لمن قاسَ الزَّكاةَ في مالِ الصَّبيِّ على العُشرِ وبَيَّنَ العِلَّةَ، فأَبْطَلَها ابنُ عَقِيلٍ، فقالَ له: ما العِلَّةُ إذن؟ فقالَ: لا يَلْزَمُ. ونَتَبَرَّعُ، فنَقُولُ: سُؤالُك عنِ العِلَّةِ قولُ مَن يُوجِبُ لكلِّ حُكمٍ علَّةً، وليسَ كذلك؛ لأنَّ مِن النَّاسِ مَن يَقُولُ: الأصولُ مُعَلَّلةٌ، وبعضُهم يَقُولُ: غيرُ مُعلَّلةٍ، وبعضُهم يَقولُ: بعضُها مُعَلَّلٌ وبَعضُها غيرُ مُعلَّلٍ، فيَجُوزُ أنَّ هذا لا عِلَّةَ له (٣)، أو له عِلَّةٌ خافيةٌ عنَّا.

المسلكُ (الرَّابِعُ) مِن الطُّرُقِ الدَّالَّةِ على العِلِّيَّةِ: (المُنَاسَبَةُ، وَ) يُقالُ: (الإِخَالَةُ) بكسرِ الهمزةِ وبالخاءِ المعجمةِ، مِن خَالَ إذا ظَنَّ؛ لأنَّه بالنَّظرِ إليه يَخَالُ أنَّه عِلَّةٌ.

(وَاسْتِخْرَاجُهَا) أي: استخراجُ العِلَّةِ بذلك (يُسَمَّى: «تَخْرِيجَ المَنَاطِ») لِما فيه مِن ابتداءِ ما نِيطَ به الحُكمُ أي: عُلِّقَ عليه.


(١) الأنبياء: ١٠٧.
(٢) «الواصح في أصول الفقه» (٥/ ٣٠٤).
(٣) ليس في «ع».

<<  <   >  >>