للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمُرادُ بالإعجازِ: أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أُمِرَ أن يَتَحَدَّاهم بما جاءَ به فيَقولُ: هل تَقْدِرون أنْ تَأتوا بمِثْلِ ما قُلْتُه؟ فيَعجِزوا عن ذلك، فقد أَعْجَزَهم ذلك القولُ فهو مُعجِزٌ، فالسُّنَّةُ مُعجِزَةٌ بالقُوَّةِ، لكنَّه لم يُطْلَبْ منهم أن يَأْتُوا بمِثْلِها، والقُرآنُ مُعجِزٌ بالفعلِ لكَوْنِه تَحَدَّاهم أنْ يَأْتُوا بمِثْلِه بأمْرِ اللهِ له بالتَّحدِّي به، ولم يَأمُرْه أنْ يَتَحَدَّى بالسُّنَّةِ، فهذا الفرقُ بينَ الإعجازينِ.

قال الإمامُ أحمدُ: مَن قَالَ القرآنُ مَقْدورٌ على مِثْلِه ولكنْ مَنَعَ اللهُ قُدرَتَهم كَفَرَ، بل هو مُعجِزٌ بنَفْسِه، والعجزُ يَشْمَلُ الخَلْقَ (١).

وزادَ بَعضُهم: (مُتَعَبَّدٌ بِتِلَاوَتِهِ) ليُخرِجَ الآياتِ المنسوخةَ لَفْظُها، سواءٌ بَقِيَ الحُكْمُ أم لا؛ لأنَّها بعدَ النَّسخِ صارَتْ غيرَ قرآنٍ؛ لسُقُوطِ التَّعبُّدِ بتلاوتِها، ولذلك لا تُعطَى حُكْمَ القُرآنِ.

(وَالكَلَامُ: حَقِيقَةً) عندَ أحمدَ، والبخاريِّ، وابنِ المُباركِ، وأهلِ السُّنَّةِ وجمهورِ العلماءِ لَيْسَ مشتَركًا بينَ العبارةِ ومَدلولِها، بل الكلامُ هو: (الأَصْوَاتُ وَالحُرُوفُ) المسموعةُ، فيَكُونُ الكلامُ حقيقةً في العبارةِ، مجازًا في مَدلولِها.

قالَ الشَّيخُ: وَلَيْسَ مِن طوائفِ المسلمينَ مَن أَنْكَرَ أنَّ اللهَ تَعالى يَتَكَلَّمُ بصوتٍ إلَّا ابنُ كُلَّابٍ ومَنِ اتَّبَعَه، كما أنَّ لَيْسَ في طوائفِ المسلمينَ مَن قال: إنَّ الكلامَ مَعنًى واحدٌ قائمٌ بالمُتَكَلِّمِ، إلَّا هو ومَنِ اتَّبَعَه (٢). انتهى.

قالَ المُوَفَّقُ: أَجمَعْنا على أنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ تَعالى، وقد أَخْبَرَ اللهُ تَعالى


(١) ينظر: «التحبير شرح التحرير» (٣/ ١٣٥٤)، و «شرح الكوكب المنير» (٢/ ١١٥).
(٢) «مجموعُ الفتاوى» (٦/ ٥٢٨).

<<  <   >  >>