للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شرطًا، أو مانعًا، وخطابُ التَّكْلِيفِ، لِطلَبِ ما تَقَرَّرَ بالأسبابِ والشُّروطِ والموانعِ.

والفرقُ بينَهما من حَيْثُ الحُكمُ: أنَّ خطابَ الشَّرعِ يُشتَرطُ فيه عِلْمُ المُكَلَّفِ وقدرتُه على الفِعلِ، وكونُه مِن كَسْبِه، كالصَّلاةِ، والحَجِّ، والصَّومِ، ونَحوِها.

(وَ) أَمَّا خطابُ الوضعِ فـ (لَا يُشْتَرَطُ لَهُ) شيءٌ مِن ذلك؛ أي: لا (تَكْلِيفٌ، وَلَا كَسْبٌ، وَلَا عِلْمٌ، وَلَا قُدْرَةٌ) إلَّا ما اسْتَثْنى. أمَّا عدمُ اشتِراط العِلْمِ، فكالنَّائِمِ يُتْلِفُ شيئًا حالَ نَوْمِه، والرَّامي إلى صيدٍ في ظُلْمَةٍ، أو مِن وراءِ حائلٍ، فيَقتُلُ إنسانًا، فإنَّهما يَضْمَنانِ، وإنْ لم يَعْلَمَا.

وأمَّا عدمُ اشتِراطِ القُدرةِ والكَسبِ فكالدَّابَّةِ تُتلِفُ شيئًا، والصَّبيِّ أو البالغِ يَقتُلُ خَطَأً، فيَضمَنُ صاحبُ الدَّابَّةِ والعاقلةِ وإن لم يَكُنِ القتلُ والإتلافُ مَقدورًا ولا مُكتسبًا لهم.

وأمَّا المُستثنى مِن عَدَمِ اشتِراطِ العِلْمِ والقُدرةِ فقاعدتانِ، أشارَ إلى الأُولى بقولِه:

(١) (إِلَّا سَبَبَ عُقُوبَةٍ) كحَدِّ الزِّنا، فلا يَجِبُ على مَن وَطِئَ أجنبيَّةً يَظُنُّها زوجتَه لعدمِ العِلْمِ، ولا على مَن أُكْرِهَتْ على الزِّنا لعدمِ القُدرةِ على الامتناعِ؛ إذِ العُقوباتُ تَستدعي وُجودَ الجناياتِ الَّتي يُنتَهَكُ بها حُرمَةُ الشَّرعِ زجرًا عنها ورَدعًا. والانتهاكُ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مع العِلْمِ والقُدرةِ والاختيارِ، والمُختارُ هو الَّذِي إنْ شاءَ فَعَلَ وإنْ شاءَ تَرَكَ، والجاهِلُ والمُكرَهُ قد انتفى ذلك فيه، وهو شرطُ تَحَقُّقِ الانتهاكِ لانتفاءِ شَرطِه، فتَنتفي العقوبةُ لانتفاءِ سَبَبِها.

<<  <   >  >>