للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد اختلفَ العلماءُ فيما إذا اتَّفقوا على فِعلٍ فَعَلوه، أو فَعَلَ البعضُ وسَكَتَ البعضُ مع عِلمِهم: هل يَكونُ إجماعًا أم لا؟ والأرجحُ أنَّه يَنعقِدُ به الإجماعُ؛ لعصمةِ الأُمَّةِ، فيَكُونُ كالقولِ المُجمَعِ عليه، وكفعلِ الرَّسولِ -صلى الله عليه وسلم-.

قال بعضُ أصحابِنا: هذا قولُ الجمهورِ، حَتَّى أحالوا الخطأَ مِنهم إذا لم يَشتَرطوا انقراضَ العصرِ.

ويَتَفَرَّعُ على هذه المسألةِ: إذا فَعَلُوا فِعلًا قُربَةً، ولكنْ لا يُعلَمُ هل فَعَلُوه واجبًا، أو مندوبًا، فمُقتضى القياسِ: أنَّه كفعلِ الرَّسولِ -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنَّا أُمِرْنا باتِّباعِهم كما أُمِرْنا باتِّباعِه -صلى الله عليه وسلم-.

(وَهُوَ) أي: الإجماعُ (حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ) عندَ الأئمَّةِ الأربعةِ وغيرِهم، ودَلالَةُ كَوْنِ الإجماعِ حُجَّةً قاطعةً (بِالشَّرْعِ) فقطْ عندَ أكثرِ العلماءِ، وذلك للأدِلَّةِ الواردةِ مِن الكتابِ والسُّنَّةِ في ذلك:

منها: قولُه تعالى: {وَلَا تَفَرَّقُوا} (١)، وخلافُ الإجماعِ تَفَرُّقٌ، والنَّهيُ عنِ التَّفرُّقِ لَيْسَ في الاعتصامِ؛ للتَّأكيدِ ومخالفةِ الظَّاهرِ، وتخصيصُه بها قبلَ الإجماعِ لا يَمنَعُ الاحتجاجَ به، ولا يَختَصُّ الخطابُ بالموجودينَ زَمَنَه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنَّ التَّكْلِيفَ لكلِّ مَن وُجِدَ مُكَلَّفًا كما سَبَقَ.

ومنها: قولُه تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (٢)، فلو اجتمعوا على باطلٍ، كانوا قد اجتمعوا على مُنكَرٍ لم يَنْهَوا عنه، ومعروفٍ لم يَأْمُروا به، وهو خلافُ ما وَصَفَهم اللهُ تعالى به، ولأنَّه جَعَلَهم أُمَّةً وسطًا؛ أي: عُدولًا ورَضِيَ

بشهادتِهم مطلقًا


(١) آل عمران: ١٠٣.
(٢) آل عمران: ١١٠.

<<  <   >  >>