للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

(شُرِطَ) في جارحٍ (ذِكْرُ سَبَبِ:

(١) جَرْحٍ) على الصَّحيحِ، فلا يُقبَلُ الجرحُ المُطلَقُ، بل لا بدَّ مِن ذِكْرِ السَّببِ المُطلَقِ، فيَقولُ مَثَلًا: هذا فاسقٌ؛ لأنَّه يَشرَبُ الخمرَ، ونَحوَه؛ لاختلافِ النَّاسِ في سببِ الجَرحِ، واعتقادِ بَعضِهم ما لا يَصلُحُ أنْ يَكُونَ سببًا للجَرحِ جارحًا، كشُربِ النَّبيذِ مُتَأَوِّلًا، فإنَّه يَقدَحُ في العَدالةِ عندَ مالكٍ دونَ غيرِه، وكمَن رأى إنسانًا يَبُولُ قائمًا فيُبادِرُ بجَرحِه لذلك، ولم يَنظُرْ في أنَّه مُتَأَوِّلٌ مُخطِئٌ، أو معذورٌ، كما رُوِيَ عن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه بالَ قائمًا لعُذرٍ كانَ به (١)، فلهذا وشِبْهِه يَنبغي بيانُ سببِ الجَرحِ؛ ليَكُونَ على ثقةٍ واحتِرازٍ مِن الخطأِ والغُلُوِّ فيه.

قالَ الطُّوفِيُّ في «شرحِه»: ولقد رَأَيْتُ بعضَ العامَّةِ يَضرِبُ يدًا على يدٍ، ويُشِيرُ إلى رجلٍ، ويَقُولُ: ما هذا إلَّا زِنْدِيقٌ، ليتني قَدَرْتُ عليه، فأفعلَ به وأفعلَ، فقُلْتُ: ما رأيْتَ منه؟ فقال: رَأَيْتُه وهو يَجهَرُ بالبسملةِ في الصَّلَاةِ (٢). انتهى.


(١) روى في ذلك الحاكم (١/ ٢٩٠)، والبيهقي (١/ ١٦٤) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- «بَالَ قَائِمًا مِنْ جُرْحٍ كَانَ بِمَأْبِضِهِ».
قال البيهقي: وقد روي في العلة في بوله قائمًا حديثٌ لا يثبت مثله. اهـ، فذكره.
قال ابن حجر في «فتح الباري» (١/ ٣٣٠): لو صح هذا الحديث لكان فيه غنى عن جميع ما تقدم، لكن ضعَّفه الدارقطني والبيهقي، والأظهر أنه فعل ذلك لبيان الجواز، وكان أكثر أحواله البول عن قعود، والله أعلم.
قلت: الذي صح عنه مرفوعًا في البول قائمًا ليس فيه ذكر العلة، رواه البخاري (٢٢٥)، ومسلم (٢٧٣) عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَانْتَهَى إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا».
(٢) «شرح مختصر الرَّوضة» (٢/ ١٦٥).

<<  <   >  >>