(وَ) الثَّالثُ: أنْ يَعرِفَ (مَادَّتَهُ) أي: ما يُستَمَدُّ منه، ليَرجِعَ في تلك الجُزئيَّةِ إلى مَحَلِّها منه.
واعلَمْ أنَّ أصلَ هذه القاعدةِ: أنَّ كُلَّ معدومٍ يُوجَدُ يَتَوَقَّفُ وجودُه على أربعِ عِلَلٍ: صوريَّةٍ، وغائيَّةٍ، ومادِّيَّةٍ، وفاعِليَّةٍ.
فالأُولى: هي الَّتي تَقُومُ صورتُه وتَتَمَيَّزُ بها عن غيرِه، فتَصَوُّرُ المُرَكَّبِ يَتَوَقَّفُ على تَصَوُّرِ أركانِه، وانتظامِها على الوجهِ المقصودِ.
الثَّانيةُ: هي الباعثةُ على إيجادِه، والأُولى في الفِكرِ مُقدَّمةٌ على سائرِ العللِ، وإنْ كانَتْ آخِرًا في الوجودِ الخارجيِّ، ولهذا يُقالُ: مَبدَأُ العِلْمِ مُنتهى العملِ، ويُقالُ أيضًا: هي علَّةٌ في الذِّهنِ معلولةٌ في الخارجِ.
الثَّالثةُ: الَّتي تُستَمَدُّ منها المُرَكَّباتُ، أو ما في حُكمِها.
الرَّابعةُ: هي المُؤثِّرةُ في إيجادِ ذلك وإخراجِه مِن العدمِ إلى الوجودِ.
(فَأُصُولٌ: جَمْعُ أَصْلٍ، وَهُوَ) أي: الأصلُ:
(لُغَةً) أي: في اللُّغةِ (مَا يُبْنَى عَلَيْهِ) أي: على الأصلِ (غَيْرُهُ).
(وَ) مَعنى الأصلِ (اصْطِلَاحًا: مَا لَهُ فَرْعٌ)؛ لأنَّ الفَرعَ إِنَّمَا يَنْشَأُ عن أصلٍ، والأصلُ لا يُطلَقُ غالبًا إلَّا على ما له فرعٌ.
(و) اعلَمْ أنَّ للأصلِ أربعَ إطلاقاتٍ:
أحدُها: أنَّه (يُطْلَقُ عَلَى الدَّلِيلِ غَالِبًا) كقولِك: أصلُ هذه المسألةِ الكتابُ أو السُّنَّةُ؛ أي: دليلُها. (وَ) هذا الإطلاقُ (هُوَ المُرَادُ هُنَا) أي: في أُصولِ الفقهِ.
(وَ) الثَّاني: يُطلَقُ (عَلَى الرُّجْحَانِ) أي: على الرَّاجحِ مِنَ الأمرينِ،