للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

(يَسْتَحِيلُ تَحْرِيمُ مَعْرِفَةِ اللهِ) تَبَارَكَ و (تَعَالَى) إلَّا على القولِ بتكليفِ المُحالِ، وذلك لتَوَقُّفِه على معرفتِه، وهو دَوْرٌ، وقد تَقَدَّمَ مِن شرطِ المنسوخِ أنْ يَكُونَ ممَّا يَجُوزُ أن يَكُونَ مشروعًا، وألَّا يَكُونَ اعتقادًا، فلا يَدخُلُ النَّسخُ التَّوحيدَ بحالٍ؛ لأنَّ الله تَعَالَى بأسمائِه وصفاتِه لم يَزَلْ ولا يَزالُ، وكذلك ما عُلِمَ أنَّه مُتَأَبِّدٌ، ونحوُ ذلك تَقَدَّمَ.

(وَ) أمَّا (مَا حَسُنَ) لذاتِه كمعرفةِ اللهِ تَعَالَى (أَوْ قَبُحَ لِذَاتِهِ) كالظُّلْمِ والقَبائحِ العَقليَّةِ، فـ (يَجُوزُ نَسْخُ وُجُوبِهِ) أي: وجوبِ ما حَسُنَ لذاتِه (وَ) نَسْخُ (تَحْرِيمِهِ) أي: تحريمِ ما قَبُحَ لذاتِه عندَ مَن نَفَى الحُسنَ والقُبحَ ورعايةَ الحِكمةِ في أفعالِه؛ لقولِه تَعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} (١)، وقولِه تَعالى: {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} (٢)، ومَن أَثْبَتَ الحُسنَ والقُبحَ ورعايةَ الحِكمةِ في أفعالِه مَنَعَ النَّسخَ.

(وَكَذَا يَجُوزُ نَسْخُ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ) لأنَّها أحكامٌ، فإذا جازَ نسخُ بعضِها جازَ نَسخُ جميعِها، (سِوَى مَعْرِفَتِهِ (٣) تَعَالَى) فيَستحيلُ نَسخُها كما تَقَدَّمَ. وقِيلَ للقاضي: لو جازَ النَّسخُ لجازَ في اعتقادِ التَّوحيدِ، فقالَ: اعتقادُ التَّوحيدِ مصلحةٌ لجميعِ المُكَلَّفينَ في جميعِ الأوقاتِ، ولهذا لا يَجُوزُ الجمعُ بينَ إيجابِه والنَّهيِ عن مِثلِه في المستقبلِ بخلافِ الفعلِ الشَّرعيِّ (٤).

(وَلَمْ يَقَعَا) أي: لم يَقَعْ نسخُ وجوبِ ما حَسُنَ لذاتِه أو تحريمِ ما قَبُحَ لذاتِه، ولا نَسخُ جميعِ التَّكاليفِ (إِجْمَاعًا) وإنَّما الخلافُ في الجوازِ العقليِّ، واتَّفَقُوا على عدمِ الوقوعِ.


(١) الرعد: ٣٩.
(٢) إبراهيم: ٢٧.
(٣) في «مختصر التحرير» (ص ١٩٤): معرفة الله.
(٤) «العدة في أصول الفقه» (٣/ ٧٧٦).

<<  <   >  >>