للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا إذا جَهِلَ الآمِرُ ذلك، وعَلِمَه المأمورُ: فلم أرَ مَن صَرَّحَ به، لكنْ يُفهَمُ مِن كلامِهم أنَّه لا يَصِحُّ كالَّتي قبْلَها، كما لو أَمَرَه سيِّدُه بخياطةِ ثوبٍ غدًا، وقد أَخبَرَه الصَّادقُ أنَّه سيَمرَضُ، أو يَموتُ فيه.

(وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ أَمْرٍ بِاخْتِيَارِ مُكَلَّفٍ فِي وُجُوبٍ وَعَدَمِهِ) قال ابنُ عَقِيلٍ: يَجوزُ أنْ يَرِدَ الأمرُ مِن اللهِ تَعالى مُعَلَّقًا على اختيارِ المُكَلَّفِ، بفعلٍ أو تركٍ مُفَوَّضًا إلى اختيارِه، بناءً على أنَّ المندوبَ مأمورٌ به، مَعَ كونِه مُخَيَّرًا بينَ فِعلِه وتركِه. وبناءً على أنَّ المندوبَ مأمورٌ به (١).

قالَ الشَّيخُ: يُشْبِهُ أنْ يُقالَ للمُجتهدِ: احْكُمْ بما شِئْتَ (٢).

و (لَا) يَصِحُّ (أَمْرٌ بِمَوْجُودٍ) عندَ أصحابِنا والجمهورِ، فالأمرُ بالموجودِ باطلٌ؛ لأنَّه تحصيلُ الحاصلِ.

ولَمَّا فَرَغَ مِن أحكامِ المحكومِ به، وأحكامِ المحكومِ فيه وهي الأفعالُ، شَرَعَ في أحكامِ المحكومِ عليه وهو الآدميُّ، فقال:

(وَشُرِطَ فِي مَحْكُومٍ عَلَيْهِ: عَقْلٌ، وَفَهْمُ خِطَابٍ) فلا بدَّ مِنهما جميعًا؛ إذ لا يَلْزَمُ مِن العقلِ الفهمُ، لجوازِ أنْ يَكُونَ عاقلًا لا يَفهَمُ، كالصَّبيِّ، والنَّاسي.

وأمَّا السَّكرانُ والمُغمَى عليه، فإنَّهما في حُكمِ العُقلاءِ مُطلقًا، أو مِن بعضِ الوجوهِ، وهما لا يَفهَمانِ، وذلك لأنَّ التَّكْلِيفَ خطابٌ، وخطابُ مَن لا عَقلَ له ولا فَهمَ محالٌ، كالجَمادِ والبهيمةِ، وأنَّ المُكلَّفَ به مطلوبٌ حُصُولُه مِن المُكَلَّفِ طاعةً وامتثالًا؛ لأنَّه مأمورٌ، والمأمورُ يَجِبُ أنْ يَقصِدَ


(١) «الواضح في أصول الفقه» (٣/ ١٨٩).
(٢) ينظر: «التحبير شرح التحرير» (٣/ ١٢٢٧).

<<  <   >  >>