للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالَ ابنُ البَاقِلَّانِيِّ: لا تُطلَقُ العصمةُ في غيرِ الأنبياءِ والملائكةِ إلَّا بقرينةِ إرادةِ معناها اللُّغويِّ، وهو السَّلامةُ مِنَ الشَّيءِ (١).

فامتناعُ المعصيَةِ مِنه -صلى الله عليه وسلم- قَبْلَ البعثةِ عَقلًا مبنيٌّ على التَّقبيحِ العقليِّ، فمَن أَثْبَتَه كالرَّوافضِ مَنَعَها للتَّنفيرِ، فتُنافي الحكمةَ، وقاله (٢) المُعتَزلةُ في الكبائرِ، ومَن نَفَى التَّقبيحَ العَقليَّ لم يَمْنَعْها.

قالَ في «شرحِ الأصلِ»: إِنَّمَا قَدَّمْنا هذه المسألةَ لأجلِ ما بَعدَها؛ لأنَّ الاستدلالَ بأقوالِهم وأفعالِهم مُتَوَقِّفٌ (٣) على عِصمَتِهم (٤).

(وَ) قد ذَهَبَ أكثرُ العلماءِ إلى أنَّه (لَا يَمْتَنِعُ عَقْلًا) مِن الأنبياءِ (مَعْصِيَةٌ) أي: صدورُ معصيةٍ مِنهم صغيرةٍ، أو كبيرةٍ (قَبْلَ البَعْثَةِ،

و) كلُّ نبيٍّ مُرسَلٍ فهو (مَعْصُومٌ بَعْدَهَا) أي: بعدَ البعثةِ:

(١) (مِنْ تَعَمُّدِ مَا) أي: كذبِ قولٍ أو فعلٍ (يُخِلُّ بِصِدْقِهِ فِيمَا) أي: في حُكْمٍ وما يَتَعَلَّقُ به، (دَلَّتِ المُعْجِزَةُ عَلَى صِدْقِهِ) فيه (مِنْ رِسَالَةٍ وَتَبْلِيغٍ) إجماعًا، فالإجماعُ مُنعقِدٌ على عِصمةِ المُرسَلِينَ مِن تَعمُّدِ الكذبِ في الأحكامِ، وما يَتَعَلَّقُ بها؛ لأنَّ المُعجزةَ قد دَلَّتْ على صِدقِهم فيها، فلو جازَ كذبُهم فيها لبَطَلَتْ دَلالةُ المُعجزةِ.

(وَلَا يَقَعُ) منهم ما يُخِلُّ بصِدْقِهم لا (غَلَطًا، وَ) لا (سَهْوًا) عندَ الأكثرِ؛ لِما مَرَّ مِن دَلالةِ المُعجزةِ على الصِّدقِ.


(١) ينظر: «الفوائد السنية في شرح الألفية» (١/ ٣٨٤)، و «التحبير شرح التحرير» (٣/ ١٤٣٨).
(٢) في (د): وقالت.
(٣) في (ع)، (د): متفق. والمثبت من «التحبير شرح التحرير».
(٤) «التحبير شرح التحرير» (٣/ ١٤٣٩).

<<  <   >  >>