للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوكيلِ»، وقولِنا: «الحِيَلُ في الشَّرعِ باطلةٌ»، فكلُّ واحدةٍ مِن هاتينِ القضيَّتينِ يُعرَفُ بالنَّظرِ فيها قضايا مُتَعَدِّدَةٌ، كقولِنا: عُهدَةُ المُشتَري على المُوكِّلِ، ولو حَلَفَ لا يَفعَلُ شيئًا فوَكَّلَ في فِعلِه: حَنَثَ، ولو وَكَّلَ مسلمٌ ذِمِّيًّا في شراءِ خمرٍ، أو خنزيرٍ: لم يَصِحَّ؛ لأنَّ أحكامَ العَقدِ تَتَعَلَّقُ بالمُوكِّلِ، وقولِنا: لا يَصِحُّ نكاحُ المُحَلِّلِ، وَلَا تَخليلُ الخمرِ علاجًا، وَلَا بيعُ العِينَةِ، وَلَا الحيلةُ على إبطالِ الشُّفعةِ؛ لأنَّ الحِيَلَ باطلةٌ، وهكذا قولُنا: الأمرُ للوجوبِ وللفَورِ، ونحوُه على ما تَقَدَّمَ، وذلك كلُّه مسائلُ للقواعدِ الفقهيَّةِ.

وقولُه: (الَّتِي يُتَوَصَّلُ) أي: يُقصَدُ الوصولُ (بِهَا إِلَى اسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ) الخمسةِ؛ أي: لا القواعدِ الَّتي لا يُتَوَصَّلُ بها إلى استنباطِ شيءٍ، كقواعدِ البيتِ، أو يُستنبَطُ منها غيرُ الأحكامِ مِنَ الصَّنائعِ، والعِلمِ بالهَيئاتِ، والصِّفاتِ (الشَّرْعِيَّةِ) لا الاصطلاحيَّةِ، والعَقليَّةِ، كقَواعِدِ عِلمِ الحِسابِ والهَندسةِ (الفَرْعِيَّةِ) لا الأحكام الَّتي تكون مِن جِنسِ الأُصولِ، كمَعرفةِ التَّوحيدِ مِنْ أمرِه تَعالى لِنَبِيِّه -عليه السلام- في قولِه تَعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (١).

(وَالأُصُولِيُّ) مَن قامَ به عِلْمُ الأصولِ: وهو (مَنَ عَرَفَهَا) أي: القواعدَ المذكورةَ، فهو منسوبٌ إلى الأُصولِ، كالأنصاريِّ نسبةً إلى الأنصارِ، ولا بدَّ أن يَكُونَ قد عَرَفَها، وحَرَّرَها، وأَتْقَنَها، فبذلك يُسَمَّى أُصُوليًّا، كما أنَّ مَن أَتْقَنَ الفقهَ وحَرَّرَه يُسَمَّى فقيهًا، ومَن أَتْقَنَ الطِّبَّ يُسَمَّى طبيبًا.

(وَغَايَتُهَا) أي: غايةُ معرفةِ هذه الأصولِ لمَن صارَ قادرًا على استنباطِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ مِن أَدِلَّتِها.


(١) محمَّد: ١٩.

<<  <   >  >>