وهذا يَحتاجُ إليه البليغُ في بلاغتِه، فبِحُسْنِ الألفاظِ واختلافِها على المعنَى الواحدِ تُرَصَّعُ المعاني في القُلوبِ وتَلتصِقُ بالصُّدورِ، ويَزيدُ حُسنُه وحلاوتُه بضَربِ الأمثلةِ والتَّشبيهاتِ المَجازيَّةِ.
ثمَّ تَنقسِمُ الألفاظُ أيضًا إلى: مشتَرَكةٍ، وإلى عامَّةٍ مُطلقةٍ، وتُسَمَّى مُستغرِقةً، وإلى ما هو مُفردٌ بإزاءِ مُفردٍ، وسيَأتي بيانُ ذلك.
والدَّاعي إلى ذِكرِ اللُّغةِ هنا لكونِها مِن الأمورِ المُستمَدِّ منها هذا العلمُ؛ وذلك أنَّه لمَّا كانَ الاستدلالُ مِن الكتابِ والسُّنَّةِ اللَّذينِ هما أصلُ الإجماعِ والقياسِ، وكانَا أفصحَ الكلامِ العربيِّ؛ احتيجَ إلى معرفةِ لغةِ العربِ؛ لتوقُّفِ الاستدلالِ منهما عليها.
فَإِنْ قِيلَ: مَن سَبَقَ نبيَّنا محمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- مِن الأنبياء إِنَّمَا كانَ مبعوثًا لقومِه خاصَّةً، فهو مبعوثٌ بلسانِهم، ونبيُّنا محمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- مبعوثٌ لجميعِ الخلْقِ، فلِمَ لمْ يُبعَثْ بجميعِ الألسنةِ، ولم يُبعَثْ إلَّا بلسانِ بعضِهم، وهم العربُ؟
فالجوابُ: أنَّه لو بُعِثَ بلسانِ جميعِهم لكانَ كلامُهم خارجًا عن المعهودِ، ويَبعُدُ -بل يَستحيلُ- أن تَرِدَ كلُّ كلمةٍ مِن القرآنِ مُكَرَّرَةً بكلِّ الألسنةِ، فيَتَعَيَّنُ البعضُ، وكانَ لسانُ العربِ أحقَّ؛ لأنَّه أوسعُ وأفصحُ، ولأنَّه لسانُ المُخاطَبينَ، وإنْ كانَ الحُكمُ عليهم وعلى غيرِهم، ولَمَّا خَلَقَ اللهُ تَعالى النَّوعَ الإنسانِيَّ وجَعَلَه مُحتاجًا لأمورٍ لا يَستقلُّ بها بل يَحتاجُ فيها إلى المُعاونةِ؛ كانَ لا بدَّ للمُعاوِنِ مِن الاطِّلاعِ على ما في نَفْسِ المُحتاجِ بشيءٍ يَدُلُّ عليه من لفظٍ، أو إشارةٍ، أو كتابةٍ، أو مثالٍ، أو نحوِه.