للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

(خِطَابُ الوَضْعِ) أي: حَدُّه في اصطلاحِ الأُصُولِيِّينَ (خَبَرٌ) لا إنشاءٌ، بخلافِ خِطابِ الشَّرعِ، (اسْتُفِيدَ) ذلك الخبرُ بواسطةٍ (مِنْ نَصْبِ الشَّارِعِ عَلَمًا مُعَرِّفًا لِحُكْمِهِ) وإنَّما قِيلَ ذلك لتَعَذُّرِ معرفةِ خِطابِه في كلِّ حالٍ، وفي كلِّ واقعةٍ بعدَ انقطاعِ الوحيِ؛ حذرًا مِن تعطيلِ أكثرِ الوقائعِ مِن (١) الأحكامِ الشَّرعيَّةِ، وسُمِّيَ هذا النَّوعُ خطابَ الوَضعِ والإخبارِ.

أمَّا مَعنى الوضعِ فهو أنَّ الشَّرعَ وَضَعَ؛ أي: شَرَعَ أُمورًا سُمِّيَتْ: أسبابًا، وشروطًا، وموانعَ، يُعرَفُ عندَ وُجودِها أحكامُ الشَّرعِ، مِن: إثباتٍ، أو نفيٍ، فالأحكامُ تُوجَدُ بوجودِ الأسبابِ والشُّروطِ، وتَنتفي بوجودِ الموانعِ (٢) وانتفاءِ الأسبابِ والشُّروطِ.

وأمَّا مَعنى الإخبارِ: فهو أنَّ الشَّرعَ -بوِضْعِ هذه الأمورِ- أَخبَرَنا بوجوبِ أحكامِه وانتفائِها عندَ وجودِ تلك الأمورِ أو انتفائِها، كأنَّه قَالَ مثلًا: إذا وُجِدَ النِّصابُ الَّذِي هو سببُ وجوبِ الزَّكاةِ، والحَوْلُ الَّذِي هو شَرطُه، فاعلَمُوا أنِّي قد أَوْجَبْتُ عليكم أداءَ الزَّكاةِ، وإنْ وُجِدَ الدَّينُ الَّذِي هو مانعٌ مِن وُجُوبِها، أو انتفى السَّوْمُ الَّذِي هو شَرطٌ لوُجُوبها في السَّائمةِ، فاعلموا أَنِّي لم أُوجِبْ عليكم الزَّكاةَ، وكذا الكلامُ في القِصاصِ والسَّرقةِ والزِّنا وغيرِها بالنَّظرِ إلى وجودِ أسبابِها وشروطِها وانتفاءِ موانِعِها، وعكسِه.

تنبيهٌ: الفرقُ بينَ خطابِ الوَضعِ، وخطابِ التَّكْلِيفِ، مِن حَيْثُ الحقيقةُ: أنَّ الحُكمَ في خطابِ الوضعِ هو قضاءُ الشَّرعِ على الوصفِ بكَوْنِه سببًا، أو


(١) في (د): عن.
(٢) في (ع): المانع.

<<  <   >  >>