للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٣) (وَ) يُطلَقُ (عَلَى مَشْكُوكٍ فِيهِ فِيهِمَا) أي: في الشَّرعِ والعَقلِ (بِالِاعْتِبَارَيْنِ) وهو استواءُ الطَّرَفَينِ وعدمُ الامتناعِ، يَعني أنَّه كما يُقالُ: المشكوكُ فيه في الشَّرعِ، أو العقلِ لِما يَستوي طَرَفاه في النَّفْسِ، يُقالُ لِما لا يَمتنِعُ في النَّفسِ؛ أي: لا يُجزَمُ بِعَدَمِه، كما يُقالُ في النَّقلياتِ، وإنْ غَلَبَتْ على الظَّنِّ بَعدُ: فيه شكٌّ؛ أي: احتمالٌ، ولا يُرادُ به تساوي الطَّرفَينِ، لذلك يُقالُ: هو جائزٌ، والمُرادُ أَحدُهما.

فائدةٌ: الأحكامُ الشَّرعيَّةُ الخمسةُ لها نظائرُ مِنَ الأحكامِ العَقليَّةِ، فنظيرُ الواجبِ الشَّرعيِّ: ضروريُّ الوجودِ، وهو الواجبُ عَقلًا، ونظيرُ المُحَرَّمِ: المُمتنعُ، ونظيرُ المَندوبِ: المُمكِنُ الأكثريُّ، ونظيرُ المكروهِ: المُمكِنُ الأَقَلِّيُّ، ونظيرُ المُباحِ: المُمكنُ المُتساوي الطَّرفَينِ.

(وَلَوْ نُسِخَ وُجُوبُ) فِعْلٍ: (بَقِيَ الجَوَازُ) في الجُملةِ، فيَبْقَى الفعلُ (مُشْتَرَكًا بَيْنَ نَدْبٍ وَإِبَاحَةٍ) لأنَّ الماهيَّةَ الحاصلةَ بعدَ النَّسخِ مُرَكَّبَةٌ مِن قَيدَينِ:

أحدُهما: زوالُ الحَرجِ عنِ الفِعلِ، وهو مُستفادٌ مِنَ الأمرِ.

والثَّاني: زَوالُ الحَرَجِ عنِ التَّركِ، وهو مستفادٌ مِنَ النَّسخِ، وهذه الماهيَّةُ صادقةٌ على المَندوبِ والمُباحِ، فلا يَتَعَيَّنُ أحدُهما بخصوصِه.

(وَلَوْ صُرِفَ نَهْيٌ عَنْ تَحْرِيمِ) شيءٍ: (بَقِيَتِ الكَرَاهَةُ) فيه (حَقِيقَةً) لا مجازًا؛ لأنَّ النَّهيَ لم يَنتقلْ عن جميعِ مُوجِبِه، وإنَّما انتقلَ عن بعضِ مُوجِبِه، كالعُمومِ الَّذِي خَرَجَ بعضُه بَقِيَ حقيقةً فيما بَقِيَ.

ولَمَّا فَرَغَ من أحكامِ خطابِ التَّكْلِيفِ، وَيُعَبَّرُ عنه أيضًا بخطابِ الشَّرعِ، وبخطابِ اللَّفظِ: شَرَعَ في الكلامِ على خِطابِ الوضعِ والإخبارِ، فقال:

<<  <   >  >>