للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعلَمْ أنَّ العِلمَ لا يَتَمَيَّزُ عندَ العَقلِ إلَّا بعدَ العِلمِ بموضوعِه، فكلُّ عِلمٍ يَتَمَيَّزُ عن غيرِه بموضوعه كما يَتَمَيَّزُ برسمِه.

ولمَّا كانَ موضوعُ أصولِ الفقهِ أخصَّ مِن مُطلقِ الموضوعِ، والعلمُ بالخاصِّ مسبوقًا بالعِلمِ بالعامِّ؛ وَجَبَ أوَّلًا تعريفُ موضوعِ العِلمِ حَتَّى تَحصُلَ معرفةُ موضوعِ أصولِ الفقهِ، وكلُّ عِلمٍ له موضوعٌ ومَسائلُ.

فـ (مَوْضُوعُ كُلِّ عِلْمٍ: مَا) أي: الشَّيءُ الَّذِي (يُبْحَثُ فِيهِ) أي: في ذلك العِلمِ (عَنْ عَوَارِضِهِ) أي: عن الأحوالِ العارضةِ له (الذَّاتِيَّةِ) دونَ العَوارضِ اللَّاحقةِ لأمرٍ خارجٍ عن الذَّاتِ، ومسائلُه هي معرفةُ تلك الأحوالِ.

(فَمَوْضُوُعُ ذَا) الأصولُ: الكتابُ، والسُّنَّةُ، والإجماعُ، والقياسُ، ونحوُها، وهي (الأَدِلَّةُ المُوَصِّلَةُ إِلَى الفِقْهِ)؛ لأنَّه يُبحَثُ فيها عنِ العَوارضِ اللَّاحقةِ لها مِن كونِها عامَّةً، أو خاصَّةً، أو مُطلقةً، أو مُقَيَّدَةً، ونحوِ ذلك، وهذه الأشياءُ هي مَسائلُه.

وموضوعُ الفقهِ: أفعالُ العِبادِ من حَيْثُ تَعلُّقُ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ بها، ومَسائلُه: ما يُذكَرُ في كلِّ بابٍ.

وموضوعُ عِلمِ الطِّبِّ: بدنُ الإنسانِ؛ لأنَّه يَبحَثُ فيه عن الأمراضِ اللَّاحقةِ له، ومَسائلُه: هي معرفةُ تلك الأمراضِ.

وموضوعُ عِلْمِ النَّحوِ: الكلماتُ، فإنَّه يَبحَثُ عن أحوالِها مِن الإعرابِ والبناءِ، ومَسائلُه: هي معرفةُ الإعرابِ والبناءِ.

وموضوعُ عِلْمِ الفرائضِ: التَّرِكَاتُ، فإنَّه يَبحَثُ فيها مِن حَيْثُ قِسْمَتُها، ومسائلُه: هي معرفةُ حُكْمِ قِسمَتِها.

<<  <   >  >>