للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِكِتَابِ اللهِ -عز وجل-» (١)، ولمَّا كَثُرَ القَتْلى يومَ أحدٍ أَمَرَ بدفنِ الجماعةِ في القبرِ الواحدِ، وقال: «قَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا» (٢).

وبالجملةِ، فالتَّرجيحُ دأبُ العقلِ والشَّرعِ حيثُ احتاجَ إليه.

(وَلَا تَرْجِيحَ فِي الشَّهَادَةِ) والفرقُ بينَها وبينَ الأدلَّةِ هو أنَّ بابَ الشَّهادةِ مَشُوبٌ بالتَّعبُّدِ، بدليلِ أنَّ الشَّاهدَ لو أَبْدَلَ لفظَ الشَّهادةِ بلفظِ الإخبارِ أو العِلْمِ، فقالَ: أُخْبِرُ، أو أَعْلَمُ مَكانَ أَشْهَدُ، لم تُقبَلْ، ولا تُقبَلُ شهادةُ جمعٍ مِن النِّساءِ، وإنْ كَثُرْنَ على يسيرٍ مِن المالِ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُنَّ رجلٌ معَ أنَّ شهادةَ الجمعِ الكثيرِ من النِّساءِ يَجُوزُ أن يَحصُلَ به العلمُ التَّواتُرِيُّ، وما ذاك إلَّا لثُبُوتِ (٣) التَّعبُّدِ، فجازَ أن يَكُونَ عدمُ التَّرجيحِ فيها مِن ذلك بخلافِ الأدلَّةِ؛ إذ لا تَعبُّدَ فيها.

قالَ الطُّوفِيُّ: والتَّرجيحُ أمرٌ مُفِيدٌ مَعقولٌ فلا مانِعَ له مِن لُحوقِها، والمُقتضِي مَوجودٌ، وهو وجوبُ الوصولِ إلى الحقِّ بما يُمكِنُ مِن الظَّنِّ أو العلمِ (٤).

فائدةٌ: لو عَلِمَ الحاكمُ يقينًا خلافَ ما شَهِدَتْ به البَيِّنَةُ، فيَنبغي أنْ يَتَعَيَّنَ الحكمُ عليه بما عَلِمَه، ويَصيرُ ذلك بمثابةِ مُنكَرٍ اختصَّ بعِلْمِه، وهو قادرٌ على إزالتِه، بل هذا هو عينُ ذاك أو صورةٌ مِن صورِه.


(١) رواه مسلم (٦٧٣) من حديث أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه-.
(٢) رواه الترمذي (١٧١٣)، والنسائي (٢٠١٠) من حديث هشام بن عامر -رضي الله عنه-. قال الترمذي: وفي الباب عن خباب، وجابر، وأنس وهذا حديث حسن صحيح.
قلت: وحديث جابر -رضي الله عنه- رواه البخاري (١٣٤٣) قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ» .. الحديث.
(٣) في «ع»: ثبوت.
(٤) «شرح مختصر الروضة» (٣/ ٦٨٢).

<<  <   >  >>