(وَهُمَا) أي: فرضُ الكفايةِ، وسُنَّةُ الكفايةِ، أمْرٌ (مُهِمٌّ) أي: يُهْتَمُّ به، (يُقْصَدُ حُصُولُهُ) مِن قِبَلِ الشَّارعِ، فدَخَلَ نحوُ: الحِرَفِ والصِّناعاتِ، (مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إِلَى فَاعِلِهِ) لأنَّ ما مِن فِعلٍ يَتَعَلَّقُ به الحُكمُ إلَّا ويَنظُرُ فيه الفاعلُ حَتَّى يُثابَ على واجبِه، ومَندوبِه، ويُعاقَبَ على تركِ الواجبِ.
وإنَّما يَفتَرقانِ في كَوْنِ المطلوبِ عَينًا يُختَبَرُ فيه الفاعلُ، ويُمتَحَنُ؛ ليُثابَ أو يُعاقَبَ، والمطلوبُ كفايةً يُقصَدُ حُصُولُه قصدًا ذاتيًّا، وقصدُ الفاعلِ فيه تَبَعٌ لا ذاتِيٌّ.
(وَفَرْضُ الكِفَايَةِ) وَاجبٌ (عَلَى الجَمِيعِ) عندَ الأربعةِ وغيرِهم على الصَّحيحِ.
تنبيهٌ: إذا قُلْنا إنَّه يَتَعَلَّقُ بالجميعِ فهل مَعناه أنَّه يَتَعَلَّقُ بكلِّ واحدٍ أو بالجميعِ مِن حَيْثُ هو جميعٌ؟
مُقتضى كلامِ البَاقِلَّانِيِّ الأوَّلُ، وظاهرُ كلامِ الأكثرينَ الثَّاني، فمَعنى الأوَّلِ أنَّ كُلَّ مُكَلَّفٍ مُخاطَبٌ به، فإذا قامَ به بعضُهم سَقَطَ عن غيرِهم رخصةً وتخفيفًا؛ لحصولِ المقصودِ.
ومَعنى الثَّاني: أنَّ الجميعَ مُخاطَبون بإيقاعِه منهم مِن أيِّ فاعلٍ فَعَلَه، ولا يَلْزَمُ على هذا أن يَكُونَ الشَّخصُ مُخاطَبًا بفعلِ غَيرِه؛ لأنَّا نَقولُ: كُلِّفُوا بما هو أَعَمُّ مِن فِعلِهم وفِعلِ غَيرِهم، وذلك مقدورٌ بتحصيلِه منهم؛ لأنَّ كلًّا قادرٌ عليه، ولو لم يَفعَلْه غيرُه.