للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وَالتَّعَادُلُ) هو (التَّسَاوِي) بينَ الدَّليلَينِ المتعارضينِ، بحيثُ لا يَكُونُ في أَحَدِهما ما يُرَجِّحُه على الآخَرِ (لَكِنَّ تَعَادُلَ) دَلِيلَيْنِ (قَطْعِيَّيْنِ مُحَالٌ) اتِّفاقًا، (فَلَا تَرْجِيحَ) سواءٌ كانَ الدَّليلانِ عقليَّينِ أو نقليَّينِ أو أحدُهما عقليًّا والآخَرُ نقليًّا؛ إذ لو فُرِضَ ذلك لَزِمَ اجتماعُ النَّقيضينِ أو ارتفاعُهما، وتَرجيحُ أحدِهما على الآخَرِ مُحالٌ، فلا مَدخَلَ للتَّرجيحِ في الأدلَّةِ القطعيَّةِ، (وَالمُتَأَخِّرُ) مِن الدَّليلَينِ (نَاسِخٌ) للمتقدِّمِ إنْ عُلِمَ التَّاريخُ، وكانَ المدلولُ قابلًا للنَّسخِ، (وَلَوْ) كانَ الدليلانِ مَنقولينِ (آحَادًا) فيُعمَلُ بالمُتأخِّرِ على الأصحِّ؛ لأنَّه انضمَّ إلى ذلك أنَّ الأصلَ فيه الدَّوامُ والاستمرارُ.

(وَمِثْلُهُ) أي: مِثْلُ القطعيَّينِ: (قَطْعِيٌّ وَظَنِّيٌّ) أي: لا تعادُلَ بينَهما ولا تعارُضَ لانتفاءِ الظَّنِّ؛ لأنَّه يَستحيلُ وجودُ ظنٍّ في مقابلةِ يقينٍ خلافِه.

(وَيُعْمَلُ بِـ) الدَّليلِ (القَطْعِيِّ) والظَّنِّيُّ لغوٌ؛ ولذلك لا يَتَعارَضُ حُكمٌ مُجمَعٌ عليه معَ حُكمٍ آخَرَ لَيْسَ مُجمَعًا عليه،

(وَكَذَا) دليلانِ (ظَنِّيَّانِ) يَعني: تعادلُهما محالٌ على الصَّحيحِ، وظاهرُه ولو كَانَ أحدُهما سُنَّةً قابَلها كتابٌ، (فَـ) على هذا (يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا) إنْ أَمْكَنَ بأنْ عُلِمَ التَّأريخُ، [ولو كانَ] (١) أحدُهما عامًّا والآخَرُ خاصًّا أو مُطلقًا أو مُقَيَّدًا ونحوَ ذلك، فلا يُقَدَّمُ أحدُهما على الآخَرِ على الصَّحيحِ، وقِيلَ: يُقَدَّمُ الكتابُ على السُّنَّةِ، وقِيلَ: يُقَدَّمُ السُّنَّةُ على الكتابِ. وأمَّا قولُه -صلى الله عليه وسلم- في البحرِ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُهُ» (٢)، معَ قولِه تَعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا}


(١) في «د»: وكان.
(٢) رواه أبو داود (٨٤)، والترمذي (٦٩)، والنسائي (٥٩)، وابن ماجه (٣٨٦، ٣٢٤٦)، وابن الجارود (٤٣)، وابن خزيمة (١١١)، وابن حبان (٢٤٣)، والحاكم (١/ ٢٣٧) جميعًا من طريق مالك. قال الترمذي: حسن صحيح.
ونقل الترمذي في «العلل» ص (٤١) عن البخاري أنه قال: هو حديث صحيح.

<<  <   >  >>