للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى قولِه: {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} (١) فكلٌّ مِن الآيةِ والحديثِ يَتَناوَلُ خنزيرَ البحرِ، فيَتَعارَضُ عمومُ الكتابِ والسُّنَّةِ في خنزيرِ البحرِ، فقَدَّمَ بعضُهم الكتابَ فحَرَّمَه وبعضُهم قَدَّمَ السُّنَّةَ فأَحَلَّه، وهو ظاهرُ كلامِ الإمامِ أحمدَ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ.

(فَـ) إنْ لم يُمكِنِ الجمعُ بينَ الدَّليلَينِ بـ (أَنْ تَعَذَّرَ، وَعُلِمَ التَّاريِخُ، فَـ) الدَّليلُ (الثَّاني نَاسِخٌ) لما قَبْلَه (إِنْ قَبِلَهُ) أي: إنْ قَبِلَ الثَّاني النَّسخَ.

(وَإِنِ اقْتَرَنَا) أي: الدَّليلانِ الظَّنِّيَّانِ بأنْ لم يَسبِقْ أحدُهما الآخَرَ، (خُيِّرَ) المجتهدُ في العملِ والإفتاءِ بأيِّهما شاءَ، وحيثُ قُلْنُا بالتَّخييرِ أو التَّعادُلِ فلا يَعمَلُ ولا يُفتي إلَّا بقولٍ واحدٍ في الأصحِّ.

(وَإِنْ جُهِلَ) التَّأريخُ اجتهدَ في الجمعِ إنْ أَمْكَنَ ثمَّ في التَّاريخِ، فإنْ تَعَذَّرَ (وَقَبِلَهُ) أي: قَبِلَ الدَّليلُ النَّسخَ (رَجَعَ إِلَى) العَمَلِ بِـ (غَيْرِهِمَا) أي: غيرِ الدَّليلَينِ إِنْ أَمْكنَ العملُ بغيرِهما (وَإِلَّا) بأنْ تَعَذَّرَ عليه العملُ بغَيرِهما (٢) (اجْتَهَدَ فِي التَّرْجِيحِ، وَيَقِفُ) عن العملِ بواحدٍ مِنهما (إِلَى أَنْ يَعْلَمَهُ) أي: يَعلَمَ الرَّاجحَ فيَعمَلَ بما تَبَيَّنَ. وقال جماعةٌ مِن أصحابِنا والأكثرُ مِن غيرِهم: يَجُوزُ تعادُلُهما كما في نظرِ المجتهدِ اتِّفاقًا، فعلى هذا هل يُخَيَّرُ المجتهدُ كالكَفَّارةِ وغيرِها أو يَسقُطَانِ ويَجِبُ الرُّجوعُ إلى غيرِهما وهو البراءةُ الأصليَّةُ أو يَقِفُ كتعارضِ البَيِّنَتَينِ أو يَكُونُ كعامِّيٍّ يَجِبُ تَقليدُ غيرِه؟ فيه أقوالٌ، لكنْ فَرَّقَ القائلُ بالأوَّلِ بأنَّه لا تَعارُضَ في الكَفَّارةِ، ولهذا يَجُوزُ وُرودُ الشَّرعِ بإيجابِ الكلِّ، ولا يَجُوزُ في مسألتِنا، ويَكُونُ علامةَ التَّخييرِ،


(١) الأنعام: ١٤٥.
(٢) في «د»: بغيرها.

<<  <   >  >>