للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(بَابٌ)

(التَّقْلِيدُ لُغَةً) أي: هو في اللُّغةِ: (وَضْعُ الشَّيْءِ فِي العُنُقِ) مِن دابَّةٍ وغيرِها (مُحِيطًا بِهِ)، وهذا احتِرازٌ ممَّا لم يَكُنْ مُحِيطًا بالعنقِ، فلا يُسَمَّى قلادةً في عُرفِ اللُّغةِ ولا غيرِها، وذلك كالعقودِ والمرسلاتِ في حلوقِ النِّساءِ والصِّبيانِ والسُّبَحِ الَّتي في حُلُوقِ المُتَزَهِّدِينَ والقلائدِ في أعناقِ الخيلِ، ومنه قولُه تَعالى: {وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} (١) يَعني ما يُقَلَّدُه الهَدْيُ مِن النِّعالِ وآذانِ القِرَبِ.

(وَ) التَّقليدُ (عُرْفًا) أي: مَعناه في عُرفِ الأُصُولِيِّينَ: (أَخْذُ) أي: اعتقادُ صِحَّةِ (مَذْهَبِ الغَيْرِ) واتِّباعُه عليه (بِلَا مَعْرِفَةِ دَلِيلِهِ)، وقالَ الطُّوفِيُّ: مِن غيرِ حُجَّةٍ استعارةٌ مِن المعنى اللُّغويِّ كأنَّ المقلِّدَ يُطَوِّقُ المجتهدَ إثمَ ما غَشَّه به في دِينِه وكَتَمَه عنه مِن عِلْمِه أي يَجعَلُه طَوقًا في عُنُقِه أخذًا مِن قولِه -عز وجل-: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} (٢) على جهةِ الاستعارةِ يَعني من التَّقليدِ اللُّغويِّ كما سَبَقَ (٣).

(فَالرُّجُوعُ إِلَى قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَإِلَى) قَوْلِه: (المُفْتِي، وَ) إلى (الإِجْمَاعِ، وَ) رجوعُ (القَاضِي إِلَى العُدُولِ) في شهادتِهم (لَيْسَ بِتَقْلِيدٍ)، وذلك لقيامِ الحُجَّةِ فيها، فقولُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بالمعجزِ والإجماعِ بما تَقَدَّمَ في حُجِّيَّتِه وقولُ المفتي والشَّاهدِ بالإجماعِ، (وَلَوْ سُمِّيَ) ذلك أو بعضُ ذلك (تَقْلِيدًا، سَاغَ) كما يُسَمَّى في العُرفِ أخذُ المقلِّدِ العامِّيِّ بقولِ المفتي تَقليدًا فلا مُشاحَّةَ في التَّسميةِ والاصطلاحِ.


(١) المائدة: ٩٧.
(٢) الإسراء: ١٣.
(٣) «شرح مختصر الروضة» (٣/ ٦٤١).

<<  <   >  >>