يَصِحُّ أنْ يَتَمَسَّكَ في إثباتِه بالإجماعِ، ويَقولَ: إنَّ الأمَّةَ لا تَخرُجُ عنِ القائلِ بالكلِّ وبالنِّصفِ وبالثُّلُثِ، والكلُّ قائلون بالثُّلُثِ، وهذا ليسَ بصحيحٍ؛ لأنَّ قولَه يَشتملُ على وجوبِ الثُّلُثِ ونَفيِ الزَّائدِ. والإجماعُ لم يَدُلَّ على نفيِ الزَّائدِ، بل على وجوبِ الثُّلُثِ فقطْ، وهو بعضُ المُدَّعَى، فالثُّلُثُ وإنْ كانَ مُجمَعًا عليه لكنَّ نَفيَ الزِّيادةِ لم يَكُنْ مُجمَعًا عليه، فالمجموعُ لا يَكُونُ مُجمَعًا عليه، والقائلُ بالثُّلُثِ مطلوبُه مُرَكَّبٌ مِن أمرينِ: الثُّلُثُ، ونفيُ الزِّيادةِ، فلا يَكُونُ مَذهبُه مُتَّفَقًا عليه، فإنْ أَبْدَى نفيَ الزِّيادةِ بوجودِ المانعِ مِن الزِّيادةِ، أو بنفيِ شَرطِ الزِّيادةِ، أو أَبْدَى نَفْيَ الزِّيادةِ بالاستصحابِ: لم يَكُنْ حينئذٍ نفيُ الزِّيادةِ ثابتًا بالإجماعِ، وتَمَسُّكُ الشَّافعيِّ وأتباعِه بذلك إِنَّمَا هو للبَراءةِ الأصليَّةِ، ولذلك كانَ فَرضُ المسألةِ فيما إذا كانَ فيه الأصلُ براءةَ الذِّمَّةِ، فإنَّ الأصلَ في مسألةِ الدِّيةِ مثلًا براءةُ ذِمَّةِ القاتلِ مِن الزَّائدِ على الأقلِّ.
(وَلَا يُضَادُّ إِجْمَاعٌ) إجماعًا (آخَرَ) عندَ الجمهورِ، يَعني إذا انعقدَ الإجماعُ في مسألةٍ على حكمٍ لا يَجوزُ أنْ يَنعَقِدَ بعدَه إجماعٌ يُضَادُّه؛ لاستلزامِه تعارضَ دَليلينِ قَطعيَّينِ.
(وَلَا) إجماعَ عندَ الأئمَّةِ الأربعةِ وغيرِهم (عَنْ غَيْرِ دَلِيلٍ)؛ لأنَّ الإجماعَ لا يَكُونُ إلَّا مِن المُجتهدينَ، والمُجتهدُ لا يَقولُ في الدِّينِ بغيرِ دليلٍ، فإنَّ القولَ بغيرِ دليلٍ خطأٌ، وأيضًا فكانَ يَقتضي إثباتَ شرعٍ مُستأْنَفٍ بعدَ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وهو باطلٌ، ولأنَّه مُحالٌ عادَةً، وكالواحدِ مِن الأُمَّةِ، والدَّليلُ:
إمَّا كتابٌ: كإجماعِهم على حدِّ الزِّنا، والسَّرقةِ، وغيرِهما مِمَّا لا يَنحَصِرُ.
أو سُنَّةٌ: كإجماعِهم على توريثِ كلٍّ مِن الجدَّاتِ السُّدُسَ ونحوِه، ويَأتي القياسُ بعدَ ذلك،