للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالَ القاضي: هذا ظاهرُ روايةِ عبدِ اللهِ فيما خَرَّجَه في محبسه (١): الحمدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ في كلِّ زمانِ فترةٍ مِن الرُّسلِ، بقايا مِن أهلِ العِلمِ. فأخبَر أنَّ كلَّ زمانٍ فيه قومٌ مِن أهلِ العِلْمِ (٢).

(أَوْ لَا) أي: أو لم يَخلُ الشَّرعُ عَن حُكمِ الأعيانِ والمعاملاتِ والعقودِ (وَجُهِلَ) حُكمُها، ويُتَصَوَّرُ ذلك فيمن خُلِقَ ببَرِّيَّةٍ ولم يَعرِفْ شرعًا وعندَه فواكهُ وأطعمةٌ.

إذا عَلِمْت ذلك: فالأعيانُ، والمعاملاتُ، والعقودُ (مُبَاحَةٌ بِإِلْهَامٍ، وَ) الإلهامُ: (هُوَ مَا يُحَرِّكُ القَلْبَ بِعِلْمٍ) بعدَ النَّظرِ في الدَّليلِ، (ويَطْمَئِنُّ) القلبُ (بِهِ) أي: بذلك العِلْمِ، حَتَّى (يَدْعُوَ) القَلبُ (إِلَى العَمَلِ بِهِ) أي: بالعِلمِ الَّذِي اطمأنَّ القلبُ به، وليس المرادُ الإيقاعُ في القلبِ بلا دليلٍ، بل الهدايةُ إلى الحقِّ بالدَّليلِ، كما قَالَ عليٌّ -رضي الله عنه-: «إِلَّا أَنْ يُعْطِيَ اللَّهُ عَبْدًا فَهْمًا فِي كِتَابِهِ» (٣).

وكانَ شيخُ الإسلامِ البُلْقينيُّ يَقولُ: الفُتوحاتُ الَّتي يُفتَحُ بها على العلماءِ في الاهتداءِ إلى استنباطِ المسائلِ المُشكِلاتِ مِن الأَدِلَّةِ؛ أعظمُ نفعًا وأكثرُ فائدةً مِمَّا يُفتَحُ به على الأولياءِ مِن الاطِّلاعِ على بعضِ الغُيُوبِ، فإنَّ ذلك لا يَحصُلُ به من النَّفعِ مِثْلُ ما يَحصُلُ بهذا، وأيضًا هذا موثوقٌ به لرجوعِه إلى أصلٍ شرعيٍّ، وذلك قد يَضطرِبُ (٤).


(١) في (ع)، (د): مجلسه. والمثبت من «العدة»، وكذا هو في «المسودة في أصول الفقه» (ص ٤٨٦).
(٢) «العدة في أصول الفقه» (٤/ ١٢٥٠).
(٣) رواه النَّسائيُّ (٤٧٤٤) سَأَلْنا عَلِيًّا: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْءٌ سِوَى القُرْآنِ؟ …
(٤) ينظر: «الغيث الهامع» (ص ٦٥٦).

<<  <   >  >>