للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالإيهامِ مِن غيرِ حُجَّةٍ ولا شبهةٍ، فإنْ تَمَادَى (١) المُشَغِّبُ في غَيِّه أَعرَضَ عنه؛ لأنَّ أهلَ العلمِ إِنَّمَا يَتَكَلَّمون على ما فيه حُجَّةٌ أو شُبهةٌ، فإذا عَرِيَ الجدلُ عنِ الأمرينِ إلى الشَّغَبِ لم يَكُنْ فيه فائدةٌ، وكانَ الأَوْلَى بذي الرَّأيِ والعقلِ أنْ يَصُونَ نَفْسَه ويَرغَبَ بوقتِه عنِ التَّضييعِ مَعَه، ولا سِيَّما إنْ أَوْهَمَ الحاضرينَ أنَّه سالكٌ طريقَ الحُجَّةِ بالاستفسارِ عمَّا لا يُستفْهَمُ عن مِثلِه لعدمِ ترديدِه وغموضِه.

(وَلَا يَنْقَطِعُ مَسْؤُولٌ بِتَرْكِ الدَّلِيلِ: لِعَجْزِ فَهْمِ السَّامِعِ) السُّؤالَ (أَوْ) أي: ولا يَنقطعُ مسؤولٌ بـ (انْتِقَالِهِ) مِن دليلٍ (إِلَى) دليلٍ (أَوْضَحَ مِنْهُ) أي: مِن الدَّليلِ الأوَّلِ؛ (لِقِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ) الخليلِ (عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ و (السَّلَامُ) معَ نمرودَ، فإِنَّه لَمَّا قابَلَ قولَ الخليلِ في الحياةِ الحقيقيَّةِ بالحياةِ المجازيَّةِ انتقلَ إلى دليلٍ لا يُمكِنُه يُقابِلُ الحقيقةَ فيه بالمجازِ، ومَنِ انتقلَ مِن دليلٍ غامضٍ إلى واضحٍ فذلك طلبٌ للبيانِ.

قالَ ابنُ الجوزيِّ: رأى ضَعْفَ فهمِه لمعارضةِ اللَّفظِ بمِثْلِه معَ اختلافِ الفعلينِ، فانتقلَ إلى حُجَّةٍ أُخرى قصدًا لقطعِه، لا عَجزًا (٢).

قالَ الشَّيخُ: حاصلُه: يَجُوزُ الانتقالُ لمصلحةٍ، وليسَ انقطاعًا (٣).

(وَمِنْ آدَابِهِ (٤) أي: الجدلِ (وَتَرْكُهُ) أي: تركُ أدبِ الجدلِ (شَيْنٌ:

- إِجْمَالُ كُلٍّ مِنْهُمَا) أي: الخَصمينِ (خِطَابَهُ معَ الآخَرِ) فإِنَّه يَجِبُ لكلِّ واحدٍ مِنهما على صاحبِه مثلُ ما يَجِبُ للآخَرِ عليه مِن الإجمالِ في خطابِه.


(١) في «ع»: تبادى.
(٢) «زاد المسير» (١/ ٢٣٣).
(٣) «المسودة في أصول الفقه» (ص ٤٤٥).
(٤) في «مختصر التحرير» (ص ٢٤٨): أدبه.

<<  <   >  >>