للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَصْلٌ)

في ذِكْرِ بعضِ تعريفِ العقلِ

(العَقْلُ: مَا يَحْصُلُ بِهِ المَيْزُ) وعنِ الشَّافعيِّ -رحمه الله- أنَّه قَالَ: آلةُ التَّمييزِ (١).

(وَهُوَ) أي: العَقلُ (غَرِيزَةٌ) نَصًّا، يَتَأَتَّى بها دَرْكُ العُلومِ.

قالَ في «نهاية المُبتدئينَ»: العَقلُ غريزةٌ، لَيْسَ مُكْتَسَبًا، خَلَقَه اللهُ تَعالى يُفارِقُ به الإنسانُ البهيمةَ، ويَستَعِدُّ به لقبولِ العِلْمِ، وتدبيرِ الصَّنائعِ الفِكريَّةِ، فكأنَّه نورٌ يُقذَفُ في القلبِ، كالعلمِ الضَّروريِّ (٢)، والصِّبا ونحوُه حجابٌ له (٣). انتهى.

واختلَفوا في ماهيَّةِ العقلِ اختلافًا كثيرًا، بحَيثُ إنَّه لا يَنحصِرُ، (وَ) قد ذَهَبَ بعضُ أصحابِنا والأكثرُ إلى أنَّه: (بَعْضُ العُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ) يُستَعدُّ بها لفَهمِ دقيقِ العُلومِ، وتدبيرِ الصَّنائعِ الفِكريَّةِ، فخَرَجَتِ العلومُ الكَسْبِيَّةُ، وممَّا يَدُلُّ على أنَّه لَيْسَ بجميعِ العلومِ؛ لأنَّا نَقولُ: العِلْمُ يَشتملُ على ضروريٍّ ومكتسبٍ، ومعلومٌ أنَّ الإنسانَ إذا لم يَكتَسِبْ ولم يُفَكِّرْ في الدَّلائلِ يُسَمَّى عاقلًا، فإذا خَرَجَ منه العِلمُ المُكتَسَبُ لم يَبْقَ إلَّا أنَّه عِلمٌ ضروريٌّ، وَلَيْسَ بجميعِ العلومِ الضَّروريَّةِ؛ لأنَّ الإنسانَ لو عَدِمَ الحَوَاسَّ الخمسَ مَعَ أنَّها يَحصُلُ بها عِلمٌ ضروريٌّ، ولو عُدِمَتْ يُسَمَّى عاقلًا، ولهذا لو قِيلَ له ما


(١) قال الزَّركشِيُّ في «البحر المحيط» (١/ ١١٦): وهذا موجود في «الرسالة» حيث قال: دلهم على جواز الاجتهاد بالعقول التي ركبت فيهم، المميزة بين الأشياء وأضدادها .. إلخ. اهـ
قلت: وهو في الرسالة (ص ٢١). وينظر: «قواطع الأدلة» للسمعاني (١/ ٢٧)، و «الأشباه والنظائر» للسبكي (٢/ ١٧).
(٢) زاد في «نهاية المُبتدئينَ»: بالواجبِ والممكنِ والممتنعِ.
(٣) «نهايةُ المبتدئينَ» لابنِ حمدانَ (مخطوط، المتحفِ البريطانيِّ، ق ٢٥ ب).

<<  <   >  >>