(وَإِذَا اخْتَلَفُوا) أي: مجتهدو العصرِ في مسألةٍ (عَلَى قَوْلَيْنِ: حَرُمَ إِحْدَاثُ) قولٍ (ثَالِثٍ) عندَ الجمهورِ، كما لو أَجمَعُوا على قولٍ واحدٍ، فإنَّه يَحرُمُ إحداثُ قولٍ ثانٍ.
وقالَ جمعٌ: إنْ رَفَعَ القولُ الثَّالثُ المُجمَعَ عليه: حَرُمَ إحداثُه، وإن لم يَرفَعِ المُجمَعَ عليه: جازَ، فالَّذي يَرفَعُ المُجمَعَ عليه إذا رَدَّ بِكرًا بعَيبٍ بعدَ وَطْئِها مَجَّانًا، فهذا القولُ يَحرُمُ إحداثُه، فإنَّهم اختلفوا في البِكرِ إذا وَطِئَها المُشتَري ثمَّ وَجَدَ بها عَيبًا، قيلَ: تُرَدُّ مع الأرْشِ. وقيلَ: لا تُرَدُّ بوجهٍ، فالقولُ بأنَّها تُرَدُّ مجَّانًا رافعٌ لإجماعِ القولينِ على مَنعِ الرَّدِّ قهرًا مَجَّانًا.
والصَّحيحُ مِن مَذهبِنا: أنَّ المُشتَريَ مُخَيَّرٌ بينَ الإمساكِ وأخذِ الأرشِ، وبينَ الرَّدِّ وإعطاءِ الأرشِ، إن لم يَكُنْ دَلَّسَ البائعُ، فإنْ دَلَّسَ لم يَلْزَمِ المُشتَريَ أرشٌ.
وكذا إخوةٌ مع جدٍّ، قِيلَ: بالمُقاسمةِ، وقيلَ: يُسقِطُهم، فالقولُ بأنَّهم يُسقِطُونه رافعٌ المُجمَعَ عليه.
ومثالُ ما لا يَرفَعُ مُجمَعًا: الفسخُ في النِّكاحِ بالعيوبِ الخمسةِ: الجنونُ، والجُذامُ، والبَرَصُ، والجَبُّ، والعُنَّةُ ونحوُها إن كانَ في الزَّوجِ، والرَّتقُ، والفتقُ، ونحوُهما إنْ كانَ في الزَّوجةِ، فقيلَ: لكلٍّ مِنهما أن يَفسَخَ بها، وقيلَ: لا، فما نُقِلَ عن أبي حَنيفةَ أنَّه يُفْسَخُ ببعضٍ دونَ بعضٍ.
وعن الحسنِ البصريِّ قولٌ ثالثٌ: أنَّ المرأةَ تَفسَخُ دونَ الرَّجلِ، لتَمَكُّنِه مِن الخلاصِ بالطَّلاقِ، لكنَّ هذا القولَ لم يَرفَعْ مُجمَعًا عليه، بل وافَقَ في كلِّ مسألةٍ قولًا، وإنْ خالَفَه في أُخرى، واختارَه كثيرٌ مِن العلماءِ وصَحَّحُوه.