للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

و (لَا) يَحرُمُ على مَن بَعدَ مُجتهدي العصرِ: إحداثُ (تَفْصِيلٍ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي مَسْأَلَتَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ) حالَ كَوْنِ أحدِهما (إِثْبَاتًا، و) الآخَرِ (نَفْيًا) وحُكِيَ عن الأكثرِ.

وقالَ أبو الخَطَّابِ (١): إنْ صَرَّحوا بالتَّسويةِ: لم يَجُزْ؛ لاشتِراكِهما في المُقتضِي للحُكْمِ ظاهرًا، وإن لم يُصَرِّحوا فإنِ اختلفَ طريقُ الحكمِ فيهما كالنِّيَّةِ في الوضوءِ، والصَّومِ في الاعتكافِ: جازَ، وإلَّا: لَزِمَ مَن وافَقَ إمامًا في مسألةٍ موافقتُه في جميعِ مَذهبِه، وإجماعُ الأُمَّةِ خلافُه، وإنِ اتَّفَقَ الطَّريقُ كزوجٍ وأَبَوَينِ، وامرأةٍ وأَبَوَينِ، وكإيجابِ نِيَّةٍ في وضوءٍ وتَيَمُّمٍ، وعكسُه: لم يَجُزْ، وهو ظاهرُ كلامِ أحمدَ.

وقالَ ابنُ العِرَاقِيِّ الشَّافِعِيِّ: إذا لم يَفْصِلْ أهلُ العصرِ بينَ مَسألتَينِ، بل أجابوا فيهما بجوابٍ واحدٍ، فليسَ لمَن بَعدَهم التَّفصيلُ بينَهما، وجَعْلُ حُكْمِهما مُختلِفًا إنْ لَزِمَ منه خَرْقُ الإجماعِ، وذلك في صُورتَينِ:

الأُولى: أنْ يُصَرِّحُوا بعدمِ الفرقِ بينَهما.

الثَّانيةُ: أنْ يَتَّحِدَ الجامعُ بينَهما، كتوريثِ العمَّةِ والخالةِ، فإنَّ العلماءَ بينَ مُورِّثٍ لهما ومانعٍ، والجامعُ بينَهما عندَ الطَّائفتينِ كونُهما مِن ذوي الأرحامِ؛ فلا يَجوزُ مَنْعُ واحدةٍ وتوريثُ أُخرى، فإنَّ التَّفصيلَ بينَهما خارقٌ لإجماعِهم في الأُولى: نصًّا، وفي الثَّانيةِ: تَضَمُّنًا، ويَجُوزُ التَّفصيلُ فيما عدا هاتينِ الصُّورتينِ (٢).


(١) «التمهيد في أصول الفقه» (٣/ ٣١٤).
(٢) «الغيث الهامع شرح جمع الجوامع» (ص ٥٠٨ - ٥٠٩).

<<  <   >  >>