القادحُ الثَّالثُ والعشرونَ:(القَلْبُ) وهو (تَعْلِيقُ نَقِيضِ الحُكْمِ أَوْ لَازِمِهِ عَلَى العِلَّةِ؛ إِلْحَاقًا بِالأَصْلِ) مَعنى القلبِ: أنَّ المعترضَ يَقلِبُ دليلَ المستدلِّ أو يُبَيِّنُ أنَّه يَدُلُّ عليه لا له، أو يَدُلُّ عليه وله مِن وجهينِ، (فَهُوَ نَوْعُ مُعَارَضَةٍ) عندَ أصحابِنا وأكثرِ العلماءِ، بل أَوْلَى بالقبولِ؛ لأنَّه اشتَركَ في الأصلِ والجامعِ، وإنْ نَشَأَ مِن نفسِ دليلِ المستدلِّ، لكنْ لَمَّا التزمَ في دليلِه وجودَ الوصفِ لم يَمنَعْه، فالقلبُ لا يَحتاجُ إلى أصلٍ ولا إلى إثباتِ الوصفِ، فكلُّ قلبٍ معارضةٌ، وليسَ كلُّ معارضةٍ قلبًا، وإذا ثَبَتَ أنَّه معارضةٌ، فجوابُه جوابُ المعارضةِ على ما ذُكِرَ فيها، مِثلُ أن يَقُولَ في مسألةِ مَسحِ الرَّأسِ: لا نُسَلِّمُ أنَّ الخفَّ لا يَتَقَدَّرُ بالرُّبعِ، فيمنَعُ حُكمَ الأصلِ في قلبِ المعترضِ إلَّا منعَ الوصفِ، فإِنَّه يَجوزُ في المعارضةِ دونَ القلبِ مثلُ أنْ يَقُولَ: لا نُسَلِّمُ أنَّ الاعتكافَ والوقوفَ لُبْثٌ محضٌ، أو لا نُسَلِّمُ أنَّ مسحَ الرَّأسِ والخفِّ مسحٌ، أو لا نُسَلِّمُ أنَّ البيعَ والنِّكاحَ عقدُ معاوضةٍ، والفرقُ بينَ المعارضةِ والقلبُ في ذلك أنَّ المُستدلَّ في المُعارضةِ لم يُعَلِّلْ بوصفِ المعترضِ، ولا التَزَمَه واعتمدَ عليه في قياسِه، فجازَ له مَنعُه بخلافِ القلبِ، فإنَّ المُستدلَّ التزمَ في قياسِه صِحَّةَ ما عَلَّلَ به المُعتَرضُ، وهو اللُّبْثُ والمسحُ وعقدُ المعاوضةِ، فلَيْسَ له في جوابِ القلبِ منعُه؛ لأنَّه هدمٌ لِما بَنَى، ورجوعٌ عمَّا التَزَمَه واعتَرفَ بصِحَّتِه فلا يُقبَلُ منه.
(ثُمَّ) تارةً يَكُونُ المقصودُ (مِنْهُ) أي: مِن قلبِ الدَّليلِ تصحيحَ مذهبِ نفسِ المُعتَرضِ وإبطالَ مذهبِ نفسِ المُستدلِّ، وذلك إمَّا أنْ يَكُونَ صريحًا أو غيرَه، وتارةً يَتَعَرَّضُ فيه لبطلانِ مذهبِ خصمِه دونَ تصحيحِ مذهبِ نَفسِه، وذلك إمَّا أنْ يَكُونَ صريحًا أو لزومًا، فالأوَّلُ الَّذِي هو (قَلْبٌ