للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وَ) النَّوعُ الثَّاني: (ظَنِّيٌّ، كَـ) قولِهم: (إِذَا رُدَّتْ شَهَادَةُ فَاسِقٍ، فَكَافِرٌ أَوْلَى) بردِّ شهادتِه؛ إذِ الكفرُ فسقٌ وزيادةٌ، فهذا ظَنِّيٌّ على الصَّحيحِ؛ لأنَّه واقعٌ في مَحَلِّ الاجتهادِ؛ إذْ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الكافرُ عدلًا في دينِه، فيَتَحَرَّى الصِّدقَ والأمانةَ، ولهذا قُلْنا: إنَّ الكافرَ العدلَ في دينِه يَلي مالَ ولدِه على الصَّحيحِ بخلافِ المسلمِ الفاسقِ، فإنَّ مُستنَدَ قَبولِ شهادتِه العدالةُ، وهي مفقودةٌ، فهو في مَظِنَّةِ الكذبِ؛ إذْ لا وازعَ له عنه، فهذا ظَنِّيٌّ غيرُ قاطعٍ.

إذا عُلِمَ (١) ذلك، فمفهومُ المُوافقةِ: إمَّا قاطعٌ كآيةِ التَّأفيفِ، وإمَّا ظنِّيٌّ، ثمَّ الظَّنِّيُّ: إمَّا صحيحٌ واقعٌ في مَحَلِّ الاجتهادِ كردِّ الشَّهادةِ كما ذُكِرَ، وإمَّا فاسدٌ.

(وَ) مِن الفاسدِ (مِثْلُ) قولِك: (إِذَا جَازَ سَلَمٌ مُؤَجَّلًا، فَـ) هو (حَالٌّ) أَجْوزُ أي: (أَوْلَى) بالجوازِ؛ (لِبُعْدِ) ـه مِن (غَرَرٍ)؛ إذِ المُؤجَّلُ على غررٍ هل يَحصُلُ أو لا يَحصُلُ، والحالُّ مُتَّفقُ الحصولِ في الحالِّ فهو أَولى بالصِّحَّةِ، (وَ) هذا (هُوَ المَانِعُ) لكنَّه (فَاسِدٌ) مردودٌ بأنَّ الغَرَرَ في العقودِ مانعٌ مِن الصِّحَّةِ لا مُقتضٍ لها؛ (إِذْ لَا يَثْبُتُ حُكْمٌ لِانْتِفَاءِ مَانِعِهِ، بَلْ) يَثْبُتُ الحُكْمُ (لِوُجُودِ مُقْتَضِيهِ) أي: مُقتضِي الحُكْمِ؛ إذ قد سَبَقَ أنَّ المانعَ يَلْزَمُ مِن وجودِه العدمُ، ولا يَلْزَمُ مِن عَدمِه وجودٌ ولا عدمٌ لذاتِه (٢)، (وَ) المُقتضِي لصِحَّةِ السَّلَمِ (هُوَ: الِارْتِفَاعُ بِالأَجَلِ) كالأجلِ في الكتابةِ، وهو منتفٍ في الحالِّ، والغَرَرُ مانعٌ، لكنَّه احتُمِلَ في المُؤجَّلِ رُخصةً وتخفيفًا للمقتضى، وهو الارتفاقُ.

(وَإِنْ خَالَفَ) المسكوتُ المنطوقَ في الحُكْمِ (فَـ) هو (مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ) وهذا النَّوعُ الثَّاني مِن نوعيِ المفهومِ (وَيُسَمَّى (٣) هذا النَّوعُ (دَلِيلَ الخِطَابِ)


(١) في «ع»: علمت.
(٢) ليس في «د».
(٣) في «ع»: سمي.

<<  <   >  >>