للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(بَابٌ)

لمَّا فَرَغَ منَ المباحثِ المُتعلِّقةِ بالكتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ، شَرَعَ في القياسِ ومباحثِه، وهو ميزانُ العُقولِ، قال اللهُ تَعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (١).

و (القِيَاسُ لُغَةً: التَّقْدِيرُ وَالمُسَاوَاةُ) يُقالُ: قاسَ الفعلَ بالفعلِ؛ أي: حَاذَاه وسَاوَاه، وتَقُولُ: قِسْتُ الثَّوبَ بالذِّراعِ؛ أي: قَدَّرْتُه به، وقِسْتُ الجراحةَ بالمِسْبَارِ، وهو شيءٌ يُشبِهُ الميلَ يُعرَفُ به عمقُ الجرحِ، وتَقولُ: قِسْتُ الشَّيءَ بغيرِه وعلى غيرِه.

(وَ) أمَّا القِيَاسُ (شَرْعًا) فهو: (تَسْوِيَةُ فَرْعٍ بِأَصْلٍ فِي حُكْمٍ) أي: يَدُلُّ على تسويةٍ خاصَّةٍ بينَ الأصلِ والفرعِ فَهُوَ (مِنْ بَابِ تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِبَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ) كتخصيصِ لفظِ الدَّابَّةِ ببعضِ مُسَمَّياتِها (٢) فهو حقيقةٌ عُرفيَّةٌ مجازٌ لغويٌّ.

(وَ) القِيَاسُ (اصْطِلَاحًا) أي: في اصطلاحِ علماءِ الشَّريعةِ اختلفَ العلماءُ في تعريفِه اختلافًا كثيرًا جدًّا، وقلَّ أنْ يَسلَمَ منها تعريفٌ، وحاصِلُه (٣) يَرجِعُ إلى اعتبارِ الفرعِ بالأصلِ في حُكْمِه، فقالَ القاضي (٤) وغيرُه: هو (رَدُّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلِـ) ـه (بِعِلَّةٍ جَامِعَةٍ) كردِّ النَّبيذِ إلى الخمرِ في التَّحريمِ بعِلَّةِ الإسكارِ، ونَعني بالرَّدِّ: الإلحاقَ والتَّسويَةَ بينَهما في الحُكمِ، وقريبٌ منه ما قال


(١) الحديد: ٢٥.
(٢) ليس في «د».
(٣) في «د»: وحاصلها.
(٤) «العدة في أصول الفقه» (١/ ١٧٤).

<<  <   >  >>