الأُولى: في تعريفِ المناطِ، أشارَ بها إلى أنواعِ الاجتهادِ في العِلَّةِ الشَّرعيَّةِ المتعلِّقةِ بالأقيسةِ، وهو إمَّا تحقيقُ المناطِ أو تنقيحُه أو تخريجُه، وقد جَرَتْ عادةُ أهلِ الأصولِ والجدلِ إذا ذَكَرُوا تنقيحَ المناطِ أن يَتَعَرَّضوا لتفسيرِ ما يُسَمَّى تحقيقَ المناطِ أو تخريجَه، وقد تَقَدَّمَ تنقيحُ المناطِ في الإيماءِ وتخريجُه في المناسبةِ، فلم يَبْقَ إلَّا تحقيقُه.
إذا تَقَرَّرَ ذلك فـ (المَنَاطُ مُتَعَلَّقُ الحُكْمِ) وهو مَفْعَلٌ مِن نَاطَ نِيَاطًا؛ أي: عَلَّقَ، فهو ما نِيطَ به الحُكْمُ؛ أي: عُلِّقَ به، وهو العِلَّةُ الَّتي رُتِّبَ عليها الحُكْمُ في الأصلِ. يُقالُ: نِطْتُ الحَبْلَ (١) بالوَتَدِ أَنُوطُه إذا عَلَّقْتُه.
(وَ) أمَّا (تَحْقِيقُهُ) أي: تحقيقُ المناطِ فهو (إِثْبَاتُ العِلَّةِ) بالنَّظَرِ وهو الاجتهادُ في معرفةِ وجودِها (فِي آحَادِ صُوَرِهَا) بعدَ مَعرفتِها في نَفسِها، بأنْ تَجِيءَ إلى وصفٍ دَلَّ على عِلِّيَّتِه نصٌّ أو إجماعٌ أو غيرُهما مِن الطُّرقِ، ولكنْ يَقَعُ الاختلافُ في وجودِه في صورةِ النِّزاعِ، فيَتَحَقَّقُ وجودُها فيه.