للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَعودُ للدِّيَةِ لا للكفَّارةِ، أو يَعودُ للأخيرةِ جَزمًا، وإنْ كانَ في غيرِه مُحتَمَلًا، فيَجري فيه الخلافُ، كقولِه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} (١) الآيةَ، فـ {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} (٢) عائدٌ إلى الإخبارِ بأنَّهم فاسقون قطعًا حَتَّى يَزُولَ عنهم بالتَّوبةِ اسمُ الفسقِ، ولا يَعودُ في هذه الآيةِ للجَلْدِ المأمورِ به قطعًا؛ لأنَّ حدَّ القذفِ حقٌّ لآدميٍّ، فلا يَسقُطُ بالتَّوبةِ.

ومثالُ العائدِ للجميعِ قطعًا بالدَّليلِ: قولُه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (٣) الآيةَ، فـ {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} (٤) عائدٌ إلى الكلِّ بالإجماعِ.

(٢) (وَ) إنْ (صَلَحَ عَوْدُهُ) أي: الاستثناءِ (إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ) مِن الجُملِ بأنْ تَجَرَّدَ عن قرينةِ شيءٍ مِن ذلك،

(٣) (وَلَا مَانِعَ) يَمنَعُ مِن عَوْدِه للجميعِ؛ (فَـ) يَعودُ (لِلْجَمِيعِ) على المُرَجَّحِ، ونَقَلَه الأصحابُ عن نصِّ أحمدَ، حَيْثُ قال في حديثِ: «لَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ ولا يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» (٥): أرجو أنْ يَكُونَ الاستثناءُ على كلِّه (٦). ووجهُه أنَّ العطفَ يَجعَلُ الجميعَ كواحدٍ، (كَبَعْدِ مُفْرَدَاتٍ) أي: فالواردُ مِن الاستثناءِ بعدَ مفرداتٍ، نحوُ: تَصَدَّقَ على الفقراءِ والمساكينِ وأبناءِ السَّبيلِ، إلَّا الفَسَقَةَ منهم أَوْلَى بعَوْدِه للكلِّ مِن الواردِ بعدَ جُملٍ؛ لعَدمِ استقلالِ المُفرداتِ، والمرادُ بلفظِ الجُملِ هنا ما فيه شمولٌ لا الجُملُ النَّحويَّةُ.


(١) النُّور: ٤.
(٢) النُّور: ٥.
(٣) المائدة: ٣٣.
(٤) المائدة: ٣٤.
(٥) رواه مسلم (٦٧٣) من حديث أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه-.
(٦) «مسائل الإمام أحمد» (٢/ ٥٩٨).

<<  <   >  >>