للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالأوصافِ الشَّريفةِ لا يَمنَعُ مِن الاعتدادِ بذلك، وإلَّا لَزِمَ ألَّا تُقبَلَ الأنصارُ مع خلافِ المهاجرينَ، والمهاجرون مع العَشَرةِ، ولا قولُهم مع الخلفاءِ الأربعةِ وهَلُمَّ جَرًّا؛ لظهورِ التَّفاوُتِ والتَّفاضُلِ، ولم يَقُلْ به أحدٌ.

إذا عَلِمْتَ ذلك: فلا فرقَ بينَ أن يَكُونَ المُخالِفُ للمُجتهدِ تابعيًّا مع الصَّحابةِ، (أَوْ) يَكُونَ (تَابِعُهُ) أي: تابعُ التَّابعيِّ (مَعَ التَّابِعِينَ) كما سبقَ.

تنبيهٌ: إذا انعقدَ الإجماعُ، ثمَّ حَدَثَ مجتهدٌ (١)، فإنْ وافَقَهم: فلا كلامَ، وإنْ سَكَتَ: لم يَقدَحْ في الإجماعِ؛ لأنَّ سُكوتَه لا يَدُلُّ على المُخالفةِ، فـ (لَا) تُعتبَرُ (مُوَافَقَتُهُ) لِما أجمعوا عليه، بل يُعتبَرُ عدمُ خلافِه على الأصحِّ.

(وَلَيْسَ إِجْمَاعُ الأُمَمِ الخَالِيَةِ) حُجَّةً عندَ المَجدِ والأكثرِ.

وقالَ بعضُهم: إنْ كانَ سَنَدُهم قطعيًّا: فحُجَّةٌ، أو ظَنِّيًّا: فالوقفُ.

(وَلَا) إجماعُ (أَهْلِ المَدِينَةِ حُجَّةً) عندَ جماهيرِ العلماءِ؛ لأنَّ العصمةَ مِن الخطأِ إِنَّمَا تُنسَبُ للأُمَّةِ كلِّها، وهم بعضُ الأُمَّةِ لا كلُّها، ولا مَدخَلَ للمكانِ في الإجماعِ؛ إذْ لا أثرَ لفضيلتِه (٢) في عصمةِ أهلِه بدليلِ مَكَّةَ المُشرَّفةِ.

(وَلَا) أي: وليسَ (قَوْلُ الخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ) وهم: أبو بكرٍ، وعمرُ، وعثمانُ، وعليٌّ، -رضي الله عنهم- بإجماعٍ، ولا حُجَّةَ مع مخالفةِ مجتهدٍ، وهو الصَّحيحُ عندَ الأئمَّةِ؛ لأنَّهم ليسوا كلَّ الأمَّةِ الَّذين جُعِلَتِ الحُجَّةُ في قَولِهم، ولأنَّ ابنَ عبَّاسٍ خالَفَ جميعَ الصَّحابةِ في خمسِ مسائلَ في الفرائضِ انْفَرَدَ بها، وابنَ مسعودٍ في أربعٍ، وغيرَهما في غيرِ ذلك، ولم يَحتَجَّ عليهم أحدٌ بإجماعِ


(١) من التابعين. كما في «التحبير شرح التحرير» (٤/ ١٥٧٨).
(٢) في (ع): لفضيلة.

<<  <   >  >>