للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالَ أكثرُ العلماءِ: يَجوزُ الاشتقاقُ مِنَ المجازِ.

قالَ الكُورَانِيُّ: والدَّليل على الاشتقاقِ مِنَ المجازِ قَولُهم: «نَطَقَتِ الحَالُ بِكَذَا»؛ أي: دَلَّتْ؛ لأنَّ النُّطقَ مُستعملٌ في الدَّلالةِ أوَّلًا، ثمَّ اشْتُقَّ مِنه اسمُ الفاعلِ على ما هو القاعدةُ في الاستعارةِ والتَّبعيَّةِ في المُشتقَّاتِ (١).

وذَكَرَ بَعضُهم أنَّ المجازَ لا يُجمَعُ، (وَ) أَبْطَلَه الآمِدِيُّ (٢) بأنَّ لفظَ «الحمارَ» للبَليدِ (يُثَنَّى وَيُجْمَعُ) إجماعًا.

(وَيَكُونُ) المجازُ:

(١) (فِي مُفْرَدٍ) بلا نزاعٍ عندَ القائلِ بالمجازِ، كإطلاقِ لفظِ البحرِ على الجَوَادِ.

(٢) (وَ) يَكونُ أيضًا فِي (إِسْنَادٍ) على الصَّحيحِ، فيَجري فيه، وإن لم يكنْ في لَفْظَيِ المُسنَدِ والمسنَدِ إليه تَجَوُّزٌ، وذلك بأنْ يُسْنَدَ الشَّيْء إلى غيرِ مَن هو له بضربٍ مِن التَّأويلِ بلا واسطةِ وَضْعٍ، كقولِ الشَّاعرِ (٣):

أَشَابَ الصَّغِيرَ وَأَفْنَى الكَبِيـ … ـرَ كَرُّ الغَدَاةِ وَمَرُّ العَشِي

فلفظُ «الإشابةِ» حقيقةٌ في مَدلولِه، وهو تَبْيِيضُ الشَّعرِ، ولفظُ «الزَّمانِ» -الَّذي هو مُرورُ اللَّيلِ والنَّهارِ- حقيقةٌ في مَدلولِه أيضًا (٤) لكنَّ إسنادَ الإشابةِ إلى الزَّمانِ مَجازٌ في التَّركيبِ؛ أي: في إسنادِ الأفعالِ بعضِها إلى بعضٍ، لا في نفسِ مَدلولاتِ الألفاظِ.


(١) «الدُّرَرُ اللَّوامِعُ في شَرحِ جمْعِ الجوامعِ» للكورانيِّ (٢/ ٣١).
(٢) «الإحكامُ في أُصُولِ الأحكامِ» (١/ ٣٢).
(٣) مِن المتقاربِ، والبيتُ للصَّلتانِ العبديِّ -أو السَّعديِّ- ينظر: «الحيوان» للجاحظِ (٣/ ٤٧٧).
(٤) زادَ في (ع): مجازٌ في مَدلولِه أيضًا، لكنَّ إسنادَ الإشابةِ إلى الزَّمانِ.

<<  <   >  >>