للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المُعظَمِ. ومَعنى التَّعبُّدِ به عقلًا: أنَّه يَجُوزُ أنْ يَقُولَ الشَّارِعُ: إذا ثَبَتَ حُكمٌ في صورةٍ ووُجِدَ صورةٌ أُخرى مشاركةٌ للصُّورةِ الأُولى في وصفٍ، وغَلَبَ على ظَنِّكم أنَّ هذا الحكمَ في الصُّورةِ الأُولى مُعَلَّلٌ بذلك الوصفِ، فقِيسوا الصُّورةَ الثَّانيةَ على الأُولى.

وقيلَ: لا يَجُوزُ التَّعبُّدُ بالقِيَاسِ شرعًا، وحَمَلَه القاضي وابنُ عقيلٍ على قياسٍ خَالَفَ نصًّا، وابنُ رجبٍ على مَن لم يَبحَثْ عنِ الدَّليلِ، أو لم يُحَصِّلْ شُروطَه.

قالَ ابنُ مُفْلِحٍ في القائلِ بجوازِه عقلًا قال: وَقَعَ شرعًا (١).

وقالَ أكثرُ أصحابِنا وغيرِهم: وَقَعَ التَّعبُّدُ به سَمْعًا، وقِيلَ: وعقلًا.

(وَوُقُوعُهُ) أي: التَّعبُّدِ بالقِيَاسِ (بِدَلِيلِ السَّمْعِ) لا العقلِ (قَطْعِيٌّ) لا ظَنِّيٌّ في الأصحِّ، والقائلون بحُجِّيَّتِه اختلفوا هل ذلك بالشَّرعِ أو بالعقلِ؟ قال الأكثرُ بالأوَّلِ، واستدلَّ له بقولِه تَعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ} (٢) والاعتبارُ: اختبارُ شيءٍ بغيرِه، وانتقالٌ مِن شيءٍ إلى غيرِه، والنَّظرُ في شيءٍ ليُعرَفَ به آخَرُ مِن جنسِه. وسياقُ الآيةِ مطلقٌ، والدَّالُّ على الكُلِّيِّ دالٌّ على الجزئيِّ، ثمَّ مرادُ الشَّارِعِ القِيَاسُ الشَّرعيُّ؛ لأنَّ خطابَه غالبًا بالأمرِ الشَّرعيِّ، واحتجَّ أصحابُنا وغيرُهم بإجماعِ الصَّحابةِ. قال بعضُهم: هو أقوى الحُجَجِ، فمِنه اختلافُهم الكثيرُ الشَّائعُ المتبايِنُ في ميراثِ الجدِّ معَ الإخوةِ، وفي الأكدريَّةِ والخرقاءِ ولا نَصَّ عندَهم.


(١) «أصول الفقه» (٣/ ١٣١٠).
(٢) الحشر: ٢.

<<  <   >  >>