للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

اعلمْ أنَّ طريقَ معرفةِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ إمَّا التَّبليغُ عنِ اللهِ تَعَالَى بإخبارِ رُسُلِه عنه بها، وهو ما سَبَقَ مِن كتابِ الله تَعَالَى وسُنَّةِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم- وما تَفَرَّعَ عن (١) ذلك مِن إجماعٍ أو قياسٍ أو غيرِهما مِن الاستدلالاتِ وطُرُقِها بالاجتهادِ، ولو كَانَ مِن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- كما سَبَقَ آنفًا، وإمَّا أن يَكُونَ طريقُ معرفةِ الحُكمِ التَّفويضَ إلى رأيِ نَبِيٍّ أو عالمٍ، فـ (يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِنَبِيٍّ) من الأنبياءِ (وَمُجْتَهِدٍ) غَيرِ نبيٍّ: (احْكُمْ بِمَا شِئْتَ، فَهُوَ صَوَابٌ) عندَ بعضِهم، (وَيَكُونُ) حكمُه (مَدْرَكًا شَرْعِيًّا) أي: مِن المداركِ الشَّرعيَّةِ (وَيُسَمَّى التَّفْوِيضَ) عندَ الأكثرِ، فإذا قالَ: هذا حلالٌ، عَرَفْنا أنَّ اللهَ تَعَالَى في الأزلِ حَكَمَ بحِلِّه، أو هذا حرامٌ أو نحوَ ذلك، لا أنَّه يُنشِئُ الحكمَ؛ لأنَّ ذلك مِن خصائصِ الرُّبوبيَّةِ.

ومَنَعَ الجوازَ بعضُ المعتزلةِ، واختارَه أبو الخطَّابِ وذَكَرَه عن أكثرِ الفقهاءِ، وأنَّه أشبهُ بمذهبِنا؛ لأنَّ الحقَّ عليه أمارةٌ، فكيف يُحكُمُ بغيرِ طلبِها؟

(وَ) اختارَ ابنُ الحاجبِ أنَّه (لَمْ يَقَعْ) يَعني القولَ لنبيٍّ ومجتهدٍ: احكمْ بما شِئْتَ، واستدلَّ لجوازِه بأنَّ اللهَ تَعَالَى قادرٌ عليه فجازَ كالوحيِ ولا مانعَ، والأصلُ عدمُ الوقوعِ، واستدلَّ بتخييرِه في الكَفَّارةِ والعامِّيِّ في المجتهدينَ.

(وَ) يَجُوزُ أنْ يُقالَ (لِعَامِّيٍّ: عَقْلًا) لا شَرعًا: احكُمْ بما شئتَ فهو صوابٌ؛ لأنَّه لَيْسَ بمحالٍ.


(١) في «د»: من.

<<  <   >  >>