للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

(لَا يُفْتِي إِلَّا مُجْتَهِدٌ) عندَ جماهيرِ أصحابِنا وغيرِهم، قالَ أحمدُ: يَنبغي للمُفتي أن يَكُونَ عالمًا بوجوهِ القُرآنِ والأسانيدِ الصَّحيحةِ والسُّننِ، وقال أكثرُ العلماءِ: يَجُوزُ لغيرِ المجتهدِ أنْ يُفْتِيَ إنْ كانَ مُطَّلِعًا على المآخذِ أهلًا للنَّظرِ، وقال ابنُ هُبَيْرَةَ: مَن لم يُجَوِّزْ إلَّا توليةَ قاضٍ مجتهدٍ إِنَّمَا عَنَى قبلَ استقرارِ هذه المذاهبِ وانحصارِ الحقِّ فيهم، وقال: المجتهدُ اليومَ لا يُتَصَوَّرُ اجتهادُه في هذه المسائلِ الَّتي حُرِّرَتْ في المذاهبِ؛ لأنَّ المجتهدينَ (١) المُتقدِّمين فَرَغُوا منها فلا يُؤَدِّيه اجتهادُه إلَّا إلى أحدِهم.

(وَلَا يَجُوزُ خُلُوُّ عَصْرٍ عَنْهُ) أي: عن المجتهدِ عندَ أصحابِنا وغيرِهم؛ لقولِه -صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ». قِيلَ: وأين هم يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: «بِبَيْتِ المَقْدِسِ أَوْ أَكْنَافِ بَيْتِ المَقْدِسِ» (٢).

واختارَه ابنُ دقيقِ العيدِ ما لم يَتَداعَ الزَّمانُ بنقضِ القواعدِ، لكنَّ كلامَهم مُحتَمَلُ الحملِ على عمارةِ الوجودِ بالعلماءِ لا على خصوصِ المجتهدينَ، واختارَ الآمِدِيُّ جوازَه؛ لأنَّه لو امتنعَ لكانَ لغيرِه، والأصلُ عدمُه.

وفي الصَّحيحينِ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ، وَلَكِنْ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ [وَلَا مُتَعَلِّمٌ] (٣)، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا


(١) ليس في «د».
(٢) رواه أحمد (٢٢٩٨٠) من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-.
(٣) ليس في «ع».

<<  <   >  >>