للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» (١)، وهذا الخبَرُ أَدَلُّ على المقصودِ مِن الأوَّلِ، ولو تَعارَضَا سَلِمَ هذا الخبَرُ، وأيضًا التَّفقُّهُ فرضُ كفايةٍ، ففي تَركِه اتِّفاقُ الأمرِ على باطلٍ.

رُدَّ: مَنَعَه الآمِدِيُّ إنْ أَمْكَنَ تقليدُ العصرِ السَّابقِ ثمَّ فُرِضَ عندَ إمكانِه، فإذا ماتَ العلماءُ لم يُمكِنْ.

قالَ ابنُ مُفلحٍ (٢): ويَتَوَجَّهُ أنَّ هذا مرادُ أصحابِنا وغيرِهم، فلا اختلافَ؛ لقولِه -عليه السلام-: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يَبْقَى فِي الأَرْضِ مَنْ يَقُولُ: اللهُ اللهُ» رَوَاه مسلمٌ (٣).

وقال بعضُ أصحابِنا: مِن زمنٍ طويلٍ عُدِمَ المجتهدُ المطلقُ، معَ أنَّه الآنَ أيسرُ مِنه في الزَّمَنِ الأوَّلِ؛ لأنَّ الحديثَ والفقهَ قد دُوِّنَا، وكذا ما يَتَعَلَّقُ بالاجتهادِ مِن الآياتِ والآثارِ، وأصولِ الفقهِ والعربيَّةِ، وغيرِ ذلك، لكنَّ الهِمَمِ قاصرةٌ، والرَّغباتِ فاترةٌ، ونارَ الجدِّ والحذرِ خامدةٌ، وعينَ الخشيةِ والخوفِ جامدةٌ اكتفاءً بالتَّقليدِ، واستغناءً مِن التَّعبِ الوكيدِ، وهربًا مِن الأثقالِ، وأَرَبًا في تَمشيةِ الحالِ وبلوغِ الآمالِ، ولو بأقلِّ الأعمالِ.

(وَ) على القولِ بأنَّه لا يُفتي إلَّا مجتهدٌ فـ (مَا يُجِيبُ بِهِ المُقَلَّدُ عَنْ حُكْمِ) حادثةٍ (فَـ) هو (إِخْبَارٌ عَنْ مَذْهَبِ إِمَامِهِ لَا فُتْيَا)، قالَ الموفَّقُ: فيَحتاجُ يُخبِرُ عن معيَّنٍ مجتهدٍ. وقال المَاوَرْدِيُّ: لو عَرَفَ حُكمَ حادثةٍ بدليلِها لم يُفتِ في الأصحِّ.


(١) رواه البخاري (١٠٠)، ومسلم (٢٦٧٣) من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-.
(٢) «أصول الفقه» (٤/ ١٥٥٤).
(٣) رواه مسلم (١٤٨) من حديث أنس -رضي الله عنه-.

<<  <   >  >>