للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنَّه -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بشاةٍ مَيِّتةٍ (١) لمَيمُونةَ فقال: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» (٢)، فـ (اعْتُبِرَ عُمُومُهُ) أي: عمومُ اللَّفظِ الواردِ على سببٍ خاصٍّ، ولم يَقتَصِرْ على سببِه على الصَّحيحِ؛ لأنَّ السَّبَبَ قد يَكُونُ سؤالًا وقد يَكُونُ غيرَه، فالسَّببُ لا يُخَصَّصُ والعمومُ باقٍ على عمومِه؛ لأنَّ عدولَ المُجيبِ عمَّا سُئِلَ عنه أو عمَّا اقْتَضاَه حالَ السَّببِ الَّذِي وَرَدَ العامُّ عليه عن ذِكْرِه بخصوصِه إلى العُمومِ: دليلٌ على إرادتِه؛ لأنَّ الحُجَّةَ في اللَّفظِ، وهو يَقتضي العُمومَ، والسَّببُ لا يَصلُحُ مُعارضًا لجوازِ أن يَكُونَ المقصودُ عندَ وُرُودِ السَّببِ بيانَ القاعدةِ العامَّةِ لهذه الصُّورةِ وغيرِها، واسْتُدِلَّ لذلك بأنَّ الصَّحابةَ ومَن بَعدَهم اسْتَدَلُّوا على التَّعميمِ مع السَّببِ الخاصِّ، ولم يُنْكَرْ، كآيةِ اللِّعانِ، ونَزَلَتْ في هلالِ بنِ أُمَيَّةَ، ولأنَّ اللَّفظَ عامٌّ بوضعِه والاعتبارِ به، بدليلِ لو كانَ أخصَّ، والأصلُ عدمُ مانعٍ، وقاسَ ذلك أصحابُنا وغيرُهم على الزَّمانِ والمكانِ مع أنَّ المصلحةَ قد تَختلِفُ بهما.

(وَصُورَةُ السَّببِ: قَطْعِيَّةُ الدُّخُولِ) أي: مقصودةٌ بالعمومِ قطعًا عندَ الأكثرِ، (فَلَا يَخْتَصُّ) السَّببُ (بِاجْتِهَادٍ) والخلافُ إِنَّمَا هو فيما عداها، فيَطرُقُ التَّخصيصُ ذلك العامَّ إلَّا تلك الصُّورةَ، فإنَّه لا يَجُوزُ إخراجُها، فلو سَأَلَتْه امرأةٌ مِن نِسائِه طلاقَها فقال: «نسائي طوالقُ»، طُلِّقَتْ، ذَكَرَه ابنُ عَقِيل (٣) إجماعًا، وأنَّه لا يَجُوزُ تخصيصُه، والأشهرُ عندَنا ولو اسْتَثْناها بقلبِه، لكنْ يُدَيَّنُ، ولو اسْتَثْنى غيرَها: لم تُطَلَّقْ.


(١) ليس في (د).
(٢) رواه مسلم (٣٦٦) من حديث ابن عباس -رضي الله عنه-.
(٣) «الواضح في أصول الفقه» (٣/ ٤١٤).

<<  <   >  >>