أمَّا الأُولى فلأنَّ القدرةَ: إمَّا حالَ الفعلِ، أو قَبْلَه مستمرةٌ إلى حينِ صُدُورِ الفعلِ، وعلى التَّقديرينِ فالقدرةُ عندَ الفعلِ حاصلةٌ، فيَصِحُّ به.
وأمَّا الثَّانيةُ: فلأنَّ المقدورَ يَصِحُّ إيجادُه، والتَّكْلِيفُ إِنَّمَا هو الأمرُ بالإيجادِ، والتَّكْلِيفُ هنا تَعَلَّقَ بمَجموعِ الفعلِ مِن حَيْثُ هو مجموعٌ، لا بأوَّلِ جزءٍ منه، فلا يَنقطِعُ التَّكْلِيفُ إلَّا بتمامِ الفعلِ، ويَكُونُ التَّكْلِيفُ بإيجادِ ما لم يُوجَدْ منه، لا بإيجادِ ما قد وُجِدَ، فلا تكليفَ بإيجادِ موجودٍ، فلا مُحالَ.
واعلمْ أنَّ الآمِرَ تارةً يَعلَمُ انتفاءَ شرطِ وقوعِ المأمورِ به في وقتِه، وتارةً يَجهَلُ هو والمأمورُ ذلك، وتارةً يَعلَمُ الآمِرُ والمأمورُ ذلك، وتارةً يَجهَلُ الآمرُ ويَعلَمُ المأمورُ.
إذا عَلِمْتَ ذلك: فيَصِحُّ التَّكْلِيفُ بما عَلِمَ الآمرُ وَحدَه انتفاءَ شرطِ وقوعِه في وقتِه:
مثالُه: لو أَمَرَ اللهُ رجلًا بصومِ يومٍ وقد عَلِمَ اللهُ سُبحانَه مَوتَه قَبْلَه، وشَرطُ الصَّومِ: الحياةُ، فلا يُمكِنُ وقوعُه؛ لانتفاءِ شَرطِه.
ويَصِحُّ أيضًا مَعَ جهلِ الآمِرِ والمأمورِ اتِّفاقًا، كأمْرِ السَّيِّدِ عبدَه بخياطةِ ثوبٍ غدًا، وإن عَلِمَ الآمرُ والمأمورُ ذلك، فهذا لا يَصِحُّ. قَطَعَ به الأصوليُّونَ؛ لامتناعِ امتثالِه فلا يُعزَمُ، فلا يُطِيعُ ولا يَعصي ولا ابتلاءَ، بخلافِ المسألةِ الَّتي قَبْلَها.