للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمَّا قولُه تَعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (١) يحملُ على التَّنزيهِ جمعًا بينَ الدَّليلينِ، هذا إنْ لم يُفسَّرْ بُطلانُها بالرِّدَّةِ، بدليلِ الآيةِ الَّتي قَبْلَها، أو أنَّ المُرادَ: فلا تُبْطِلوها بالرِّياءِ، ولا فرقَ بينَ الصَّلاةِ، والصَّومِ، والاعتكافِ، وغيرِها على المذهبِ، (غَيْرُ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ) فيَلْزَمُ إتمامُها لمن شَرَعَ فيهما لوَجهينِ:

أحدُهما: (لِوُجُوبِ مُضِيٍّ فِي فَاسِدِهِمَا) أي: فاسدِ التَّطوُّعِ مِنهما كواجبِه، فإتمامُ صحيحِ التَّطوُّعِ أَوْلَى؛ لأنَّ نَفْلَ الحجِّ كواجبِه في الكفَّارةِ، وتقريرُ المَهْرِ بالخَلوةِ معه، بخلافِ الصَّومِ.

(وَ) الثَّاني: (لِمُسَاوَاةِ (٢) نَفْلِهِمَا فَرْضَهُمَا، نِيَّةً وَكَفَّارَةً وَغَيْرَهُمَا) كانعقادِ الإحرامِ لازمًا في فَرضِهما ونَفلِهما، فوَجَبَ أنْ يَتَساوَيَا في الإتمامِ واللُّزومِ.

(فَرْعٌ)

(الزَّائِدُ عَلَى قَدْرٍ وَاجِبٍ فِي) قيامٍ، و (رُكُوعٍ) وسُجُودٍ، (وَنَحْوِهِ) كقعودٍ: (نَفْلٌ)؛ لجوازِ تَرْكِه مُطلقًا، وهذا شأنُ النَّفلِ.

واسْتَظهرَ القاضي مِن كلامِ أحمدَ الوجوبَ، وأَخَذَه مِن نَصِّه على أنَّ الإمامَ إذا أطالَ الرُّكوعَ، فأَدْرَكَه فيه مسبوقٌ: أَدرَكَ الرَّكعةَ، ولو لم يَكُنِ الكلُّ واجبًا لَمَا صَحَّ ذلك؛ لأنَّه يَكُونُ اقتداءَ مُفتَرضٍ بمُتَنَفِّلٍ.

وقالَ ابنُ عَقِيلٍ (٣): نصُّ أحمدَ لا يَدُلُّ عندي على هذا المذهبِ، بل يُعطي أحدَ أَمرَينِ: إمَّا جوازُ ائتمامِ مُفتَرضٍ بمُتَنَفِّلٍ، ويَحتمِلُ أن يَجْرِيَ


(١) محمَّد: ٣٣.
(٢) في (ع): مساواة.
(٣) «الواضح في أصول الفقه» (٣/ ٢٠٧).

<<  <   >  >>