للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صِحَّةِ البيعِ والنِّكاحِ في كُتُبِ الفقهِ، ومَحَلُّه: هو العينُ المَبيعةُ، والمَرأَةُ المَعقودُ عليها، وأهلُه: كَوْنُ العاقدِ صحيحَ العِبادةِ والتَّصرُّفِ، وافرضْ ذلك في غيرِه، وهذا تَشبيهًا بالعِلَّةِ العقليَّةِ؛ لأنَّ المُتَكَلِّمينَ وغيرَهم قالُوا: كلُّ حادثٍ لا بدَّ له مِن عِلَّةٍ، لكنَّ العِلَّةَ:

إمَّا ماديَّةٌ كالفِضَّةِ للخَاتَمِ، أو صُوريَّةٌ كاستدارتِه، أو فاعليَّةٌ كالصَّانِعِ له، أو غائيَّةٌ: كالتَّحَلِّي به.

فهذه أجزاءُ العلَّةِ العَقليَّةِ، ومَجمُوعُها المُرَكَّبُ مِن أجزائِها هو العِلَّةُ التَّامَّةُ، فلذلك استعملَ الفقهاءُ لفظَ (١) العِلَّةِ بإزاءِ المُوجِبِ للحُكْمِ الشَّرعيِّ.

(و) المَعنى الثَّاني: استعارةُ العلَّةِ (لِمُقْتَضِيهِ) أي: مُقتضِي الحُكْمِ الشَّرعيِّ وهو المعنى الطَّالبُ له.

مثالُه: اليمينُ هي المُقتضِيَةُ لوجوبِ الكفَّارةِ، فتُسَمَّى عِلَّةً للحُكْمِ، وإنْ كانَ وجوبُ الكفَّارةِ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بوجودِ أَمرَينِ: الحلِفُ الَّذِي هو اليمينُ، والحِنثُ فيها، لكنَّ الحِنْثَ شرطٌ في الوُجُوبِ، والحَلِفُ هو السَّببُ المُقتضي له، فقالوا: إنَّه عِلَّةٌ، فإذا حَلَفَ الإنسانُ على فِعلِ شيءٍ أو تَرْكِه قيلَ: قد وُجِدَتْ منه عِلَّةُ وجوبِ الكفَّارةِ، وإنْ كانَ الوُجوبُ لا يُوجَدُ حَتَّى يَحنَثَ، وإنَّما هو بمُجرَّدِ الحنثِ انعقدَ سَبَبُه، وكذلك الكلامُ في مُجَرَّدِ مِلكِ النِّصابِ ونَحوِه، ولهذا لمَّا انْعَقَدَتْ أسبابُ الوجوبِ بمُجَرَّدِ هذه المُقتضِياتِ: جازَ فِعلُ الواجبِ بعدَ وُجودِها، [وقبلَ وُجودِ] (٢) شَرْطُها عندَنا، كالتَّكفيرِ قبلَ الحنثِ، وإخراجِ الزَّكاةِ قبلَ الحَوْلِ، (وَإِنْ تَخَلَّفَ)


(١) في (ع): لفظة.
(٢) في (د): وقيل: وجودُها.

<<  <   >  >>