للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وَتَشْبِيكُهُ) -صلى الله عليه وسلم- بينَ أصابعِه في حديثِ ذي اليدينِ في المسجدِ (١) (بَعْدَ سَهْوِهِ لَا يَنْفِيهَا) أي: الكراهةَ، (لِأَنَّهُ نَادِرٌ) ثمَّ التَّأسِّي والوجوبُ بالسَّمعِ لا بالعقلِ.

وقالَ البِرْمَاوِيُّ، وغيرُه: لا يَقَعُ المكروهُ مِن الأنبياءِ -عليهم السلام-؛ لأنَّ التَّأسِّيَ (٢) مطلوبٌ، فيَلْزَمُ أنْ يُتَأَسَّى بهم فيه، فيَكُونَ جائزًا، وأيضًا فإنَّهم أكملُ الخلْقِ، ولهم أعلى الدَّرجاتِ، فلا يُلائِمُ ما يَقَعُ منهم ما نَهَى اللهُ عنه ولو نَهْيَ تَنزيهٍ، فإنَّ الشَّيْءَ الحَقيرَ مِن الكبيرِ أمرٌ عظيمٌ، ويُقَرَّرُ ذلك بأمرٍ آخَرَ، وهو: أنَّه لا يُتَصَوَّرُ أن يَقَعَ منهم مع كونِه مَكروهًا (٣).

قالَ ابنُ الرِّفْعَةِ: الشَّيْءُ قد يَكُونُ مَكروهًا ويَفعَلُه النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لبيانِ الجوازِ، ويَكُونُ أفضلَ في حَقِّه (٤).

تنبيهٌ: تَلَخَّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ أنَّ أفعالَه -صلى الله عليه وسلم- محصورةٌ في: الواجبِ، والمندوبِ، والمُباحِ، وأمَّا المُحَرَّمُ فلا يَفعَلُه البتَّةَ، واختُلِفَ في المكروهِ، والصَّحيحُ أنَّه لا يَفعَلُه، أو يَفعَلُه لبيانِ الجوازِ، أو يَفعَلُه نادرًا كما تَقَدَّمَ ذلك كلُّه.

(وَإِذَا سَكَتَ) النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- (عَنْ إِنْكَارِ (٥) فعلٍ، أو قولٍ يُفعَلُ، أو يُقالُ (بِحَضْرَتِهِ، أَوْ) في (زَمَنِهِ مِنْ غَيْرِ كَافِرٍ) وكانَ -صلى الله عليه وسلم- (عَالِمًا بِهِ)


(١) رواه البخاري (٤٨٢)، ومسلم (٥٧٣) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٢) في «الفوائد السَّنيَّة»: التَّأسِّي بهم.
(٣) «الفوائد السنيّة في شرح الألفيّة» (١/ ٣٨٥).
(٤) ينظر: «الفوائد السنيّة في شرح الألفيّة» (١/ ٣٨٥).
(٥) زاد في «مختصر التحرير» (ص ٩٥): أمر.

<<  <   >  >>